صحفيات وإعلاميات يعزفن عن العمل بسبب التحرش




انتقلت صحفية عراقية من مؤسسة إعلامية محلية الى أخرى ظناً منها انها تخلص نفسها من المضايقة والتحرش من قبل صاحب المؤسسة الأولى، انما اصطدمت بحالة تحرش مشابهة في المؤسسة الجديدة، وكأنها تتحرك في دوائر متداخلة يتقاسمها المتحرشون.


لا تختلف حال (ف ب) التي تتحفظ على ذكر اسمها الصريح، في ميدان العمل اثناء تغطيتها للأخبار والقصص اليومية عما تعانيه أثناء وجودها داخل مؤسستها الإعلامية، وتشير الى انها تتعرض للتحرش حتى من قبل بعض من موظفي الدوائر الحكومية التي تراجعها بغية الحصول على الأخبار والمعلومات، منوهة إلى أن لا خلاص من التحرش، “حتى المحتشمة لن تكون في منأى من ذلك”. وتقول (ف ب): “يتطلب عملي الأناقة والشياكة، كما يتطلب المجاملات والمرونة داخل دائرة العمل أو خارجها، غير أن البعض لا يروق له ذلك ويعتبرها إباحية أو ابتذال، الأمر الذي يدفعه للتحرش بي من خلال الاحتكاك المتعمد أو لفظيا”.


وعلى الرغم من وجود مادة قانونية خاصة بمعاقبة المتحرش (المادتين 396-397 من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969)، لكن ليس هناك من تجرأ على تقديم شكوى في المحاكم، خشية من تعرضها إلى فضيحة أو اتهامها بأنها المذنبة، وخشيتها من أن تتحول المسألة إلى مسألة عشائرية وهي حالة سائدة في العراق، الأمر الذي جعل (ف ب)، وهي متزوجة، إلى ترك العمل والاهتمام بشؤون المنزل لحين الحصول على فرصة أفضل.


إن التحرش برأي الإعلامية والناشطة المدنية جمانة ممتاز، موجود في كل المجالات وليس في الإعلام حصرا، وتميل المرأة بطبيعة الحال للصمت والتستر على التحرش، لعلها تنسى، ولكن الأمر قد يتفاقم ويصل لمرحلة المساومات مقابل الترقية في العمل وما شابه”.


وتقول ممتاز لـ(إينا نيوز) ان “الصحفية أو الإعلامية لا تريد أن تخسر وظيفتها وبالتالي وفي بعض الأحيان تلزم الصمت أو تضطر لمغادرة العمل نهائيا، وفي أحيانا أخرى تكون جريئة وتشتكي، والمشكلة في حال تقديم الشكوى تكمن في أن المجتمع ذكوري ينصف الرجل في الغالب خصوصا اذا كان المتحرش مديرا أو رب العمل”.
يرى المشاور القانوني عبد الحسن الخفاجي بإن التحرش الجنسي في أماكن العمل سواء في القطاع الخاص أو العام، يعد نوعاً من أنواع العنف ضد النساء ويتعارض مع الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية سيداو. ويشير الخفاجي، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان الى إن قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المادة (٤٠٢)، ينص على عقوبة الحبس لمدة ثلاثة أشهر أو بالغرامة أو بكلتا العقوبتين، قائلاً: “أن أسباب التحرش عديدة ومنها الابتزاز من أجل إعطاء المرأة فرصة عمل أو منحها امتيازات أو بسبب استغلال السلطة كرب عمل، وكذلك التحرش في الشارع سواء بالكلام أو بالأفعال، وهذا يعود الى غياب تطبيق القانون وتدني أخلاق البعض منهم، لذلك لابد من تفعيل القوانين الرادعة للتحرش الجنسي لحماية النساء”.


وتعد الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979، مشروعاً لقانون دولي يحمي حقوق المرأة. وتتألف وثيقة الاتفاقية من مقدمة و30 مادة، تحدّد ما يشكل تمييزا ضد المرأة، وتنص على المساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والمدنية أو أي ميدان آخر.


وبحسب التقرير السنوي الذي أعده منتدى الإعلاميات العراقيات والذي شمل الفترة من ايار/ مايو 2018 وحتى ايار/ مايو 2019، فقد سجل المنتدى حالات ضرب وتهديد وترويع مجموعة من الصحفيات من مختلف مدن العراق، إضافة إلى سياسة التمييز والإقصاء على أساس النوع الاجتماعي (ذكر أم أنثى). ومنتدى الإعلاميات العراقيات منظمة غير حكومية تأسست عام 2011، تعنى بحقوق الصحفيات والإعلاميات في العراق.


يقول رئيس الجمعية النفسية العراقية البرفسور قاسم حسين صالح إن”التحرش الجنسي وصل إلى حالات مخجلة، وصار يقارب حالات الطلاق أو الانتحار، والسبب أولا هو ضعف تطبيق القانون وتشديد العقوبات.


وأضاف صالح في حديثه لـ(إينا نيوز) إن “أسباب التحرش سيكولوجية كونه احتجاجا وتمردا على السلطة التي تقول شيئا وتفعل نقيضه، بسبب الفواجع التي أصابت مجتمعنا وتحلل القيم، بعدما تلقى الضمير الأخلاقي العراقي ضربة موجعة من سلطة حول قادتها الفساد من حالة كانت تعد عارا في مجتمعنا إلى شطارة، وما نخشاه على جيل الشباب والمراهقين أن يأتي يوما تكون فيه ما تعده عيبا يصبح مشروعا”.


بالنسبة الى رجل الدين الشيخ منتصر الطائي إن “الدين أولى مسألة (العرض) أهمية مثل أهمية الدم والمال والأرض، مستشهدا بحديث نبوي “من قتل دون ماله أو أهله أو دينه أو دمه فهو شهيد”، مشيرا إلى أن خرق منظومة (العرض) من خلال التحرش ضد النساء في العمل أو الشارع أمرا شنيعا، وهنا ندرك قباحة جريمة التحرش بالنساء إنسانيا وشرعيا لأنه سيكون هتكا للعرض نفسه.


*كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق.




aenanews


AM:11:09:05/11/2019




840 عدد قراءة