"البرافدا" تشيطن الإنتفاضات




بعد مرور أكثر من شهر على إنتفاضة اللبنانيين ، وحوالي الشهرين على انتفاضة العراقيين ، تذكرت صحيفة الحزب الشيوعي الروسي "البرافدا" الإنتفاضتين  ووصمتهما في عنوان مقالتها ب"الفوضى المصطنعة" . وعلى الرغم من أن الصحيفة نشرت مقالتها بعد اندلاع انتفاضة الإيرانيين ، إلا أنها لم تأتِ على ذكرها ،  وقالت بأن الإحتجاجات في لبنان والعراق هزت النظامين السياسيين في البلدين ، ونتجت عن مشاكل إجتماعية إقتصادية ، إلا أن القوى الخارجية تحاول استغلالها لإضعاف النفوذ الإيراني .
 
و "البرافدا" ، الصحيفة الأشهر من أن تعرف بالنسبة لجيلنا الثورجي ، الذي نشأ على "الأمجاد" البلشفية ، التي كانت تبثها الصحيفة ، هي بالتأكيد صحيفة غير معروفة لجيل الإنتفاضة ، إذ تحولت من واحدة من أكبر صحف العالم انتشاراً في حقبتها السوفياتية  (11 مليون نسخة يومياً) ، إلى صحيفة تصدر حالياً ثلاث مرات في الأسبوع (حوالي 100 ألف نسخة) ، وتنزوي إلى جانب أسبوعية الفاشيين الروس "zavtra" ، التي رأى أحد كتابها ستالين في بشار الأسد منذ حوالي الأسبوع .  




وبعد أن تدخل البرافدا" في تفاصيل الإنتفاضتين اللبنانية والعراقية وكيف يتم توجيههما ضد إيران ، تقول بأن "الأحداث" في البلدين مرتبطة برغبة الولايات المتحدة وحلفائها المحافظة على هيمنتها في الشرق الأوسط . وهي تستغل هفوات الأنظمة الحاكمة في البلدين ، مما ينبغي أن يشكل درساً لجميع البلدان ، التي تطمح إلى التطور المستقل . 




تأخر "البرافدا" في الحديث عن الإنتفاضتين اللبنانية والعراقية لا يخرج عن السياق العام لسلوك الكرملين حيالهما .  فقدر رأت ماريانا بيلينكايا ، الكاتبة المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "kommersant" ، في تحليل كتبته خصيصاً لموقع أميركي حول سلوك الكرملين حيال الأحداث في الشرق الأوسط ، أن موسكو تنظر إلى هذه الأحداث عبر الوقائع الداخلية في روسيا ، وخاصة إحتجاجات آب/أوغست المنصرم ، التي اندلعت في المدن الروسية . وتقول الكاتبة ، أنه من المحتمل أن يكون لهذا السبب بالذات قد احتاج الكرملين إلى بعض الوقت ليدلي بدلوه حول الأحداث العاصفة في لبنان . 




وبعد أن تستعرض الكاتبة المحطات ، التي تناول فيها رسميون روس الحدث اللبناني ، تقول بان ردة فعلهم قد اتسمت إجمالاً بالحذر. وترى أن ردة فعل الإستبلشمانت الروسي هذه محكومة بالخشية من الفوضى في روسيا ، إذ أنهم يرون في كل احتجاج في الخارج بريق ثورة ملونة . 




وعلى العكس من ردة فعل الرسميين الروس على الإنتفاضة اللبنانية ، هلل الناشطون الروس على مواقع التواصل الإجتماعي لإعلان الحكومة اللبنانية عن تنازلها للمتظاهرين ، وخاصة تخفيض رواتب الوزراء والنواب الحاليين 50% . وشاعت على الفايسبوك الروسي بهذه المناسبة فكاهة تقول بأن خروج مليوني لبناني إلى الشارع في احتجاج ضد الفساد ، دفع أحد الروس ليسأل روسي آخر: وهل تعتقد أن هذا ممكن في روسيا ؟ فأجاب هذا بالقول : ومن أين لروسيا 2 مليون لبناني . 




من جهة أخرى تلفت الكاتبة إلى أن ردة الفعل الروسية على الحدث العراقي ، اقتصرت على تحليلات الدوائر الأكاديمية ، بصورة اساسية . ولم تصدر وزارة الخارجية الروسي تعليقها على المظاهرات العراقية سوى في الأول من الشهر الجاري ، اي بعد مرور اسبوعين على اندلاع هذه المظاهرات . واكتفت الخارجية الروسية بدعوة جميع الأطراف العراقيين للتحلي بضبط النفس في التعامل مع الإحتجاجات  ، مما فسره المراقبون ، بأنه يعكس الحذر مما تعلنه المظاهرات من عداء لإيران ، ومن اعتبار اي تعليق بانه تدخل في شؤون العراق الداخلية .
 


وإذا كانت الكاتبة قد خصت الموقع الأميركي «Al – Monitor» المتخصص بشؤون الشرق الأوسط  بهذا النص حول الإنتفاضتين اللبنانية والعراقية ( نقله إلى الروسية الموقع الإسرائيلي "detaly" الناطق بالروسية) ، فقد نشرت في 19 من الجاري في صحيفتها "kommersant" ، بعد اندلاع الإحتجاجات في إيران ، مقالة بعنوان "إيران تشتعل بالبنزين" . قالت الكاتبة أن المظاهرات ضد رفع سعر البنزين قد شملت عملياً كل إيران ، إلا أن هذه الموجة من الإحتجاجات لن تؤدي إلى تغيير النظام ، وإن كان يستحيل استبعاد السيناريو السلبي ، لأن الميل للإحتجاج يتزايد كل يوم لدى الإيرانيين . وتنقل الكاتبة عن خبيرة روسية في مدرسة الإقتصاد العليا في موسكو قولها ، بأن ردة فعل كل من روسيا والولايات المتحدة على الحدث الإيراني، كانت تقليدية جداً ، إذ اتخذ كل من الطرفين موقفه المعهود من إيران . فإذا كانت موسكو متضامنة مع طهران ، فإن واشنطن تريد أن ترى في كل احتجاج دليلاً  على قرب سقوط النظام الإيراني ، مع العلم أنه من المستبعد الحديث عن ذلك الآن ، وإن كان التوتر يتصاعد في البلاد . وتستشهد الخبيرة هذه بأرقام صندوق النقد الدولي ، التي تشير إلى أن مؤشر تراجع الناتج القومي الإيراني للسنة الحالية هو الأسوأ منذ العام 1984 ، حيث بلغ 9,5% . ومع أن الصندوق يتوقع توقف الناتج الإيراني عن التراجع خلال السنة القادمة ، إلا أنه يقول بأن طهران بحاجة إلى سعرٍ لبرميل النفط يبلغ حوالي 195$ ، أي 3 أضعاف السعر الراهن ، لكي تتمكن من استعادة التوازن إلى ميزانيتها . 




وتنقل الكاتبة عن هذه الخبيرة قولها ، بأن الإحتجاجات السابقة في إيران كانت قد اندلعت منذ عامين  ولم تضمحل تردداتها حتى اليوم ، إلا أنه من المستبعد أن يكون هناك ما تخشاه السلطات في إيران ، طالما أن الطبقة الوسطى لم تخرج إلى الشارع . وقد لاحظت أن ممثلي هذه الطبقة قد أخذوا ينضمون إلى المتظاهرين هذه المرة ، إلا أن الخوف من القمع مازال يتغلب لديهم ، ولذا فإن الوضع لم يبلغ في إيران بعد مستوى "ليس لدينا مانخسره" . وأشارت هذه الخبيرة إلى أن جيلاً  جديداً قد نشأ في إيران ، لا يعنيه نظام الجمهورية الإسلامية وقيمها ، ولذلك فإن "الوضع متفجر بما فيه الكفاية" ، برأيها . 




الخشية من تمدد عدوى الثورات الملونة أو ثورات "الربيع العربي" إلى الشارع الروسي ، هي التي تتحكم بالسلوك الروسي حيال هذه الثورات . وقد عبرت وكالة توفوستي عن ذلك بوضوح تام في المقالة ، التي نشرتها في 17 من الجاري بمناسبة مرور 30 عاماً على الإنتفاضة ، التي اندلعت في تشيكوسلوفاكيا السابقة ، وأدت إلى سقوط السلطة الشيوعية وزوال هذه الدولة نفسها . وقد نشرت الوكالة المقالة تحت عنوان " الكشف عن أكثر أسلحة روسيا مكراً ضد "الثورات المخملية" ، وقالت أن من المفارقة أن العقبة الرئيسية ، التي تحول دون أن تغمر حروب الحرية ساحات روسيا ، هي وجود الحرية نفسها في روسيا ، "وهذه الحرية الروسية الماكرة نفسها ، هي سلاح الدولة الرهيب" . 




أجل ، صدّق نوفوستي أو لا تصدقها ، لكن ثمة حرية في روسيا ، إنما هي سلاح ماكر بيد الدولة . وقد ينطبق على نوفوستي ما كان ينطبق أيام الإتحاد السوفياتي على الصحيفتين الرئيسيتين آنذاك "البرافدا" (الحقيقة) و"الإزفستيا" (الأخبار) ، إذ ليس في "الأخبار" حقيقة ، وليس في "الحقيقة" أخبار .




almodon


AM:10:55:21/11/2019




4 عدد قراءة