صحيفة النهار والشوفينية العروبية الذكورية



لمْ تكن نتيجة استفتاء كردستان الذي تجاوز فيه التصويت بـ"نعم" نسبة 90% مفاجئة لمراقبي القضية الكردية، وكانت ردة الفعل العراقية متوقعة أيضا. مشاعر الترّقب، التخوّف، والغضب المشروع امتزجت بالشوفينية العروبية والعنصرية المقيتة تجاه الكرد، وهي ممارسات يسهل نكرانها وإنْ شعر بها كل كردي يحمل جواز سفر عراقيا، مرّة في حياته على الأقل. ولكن مع جميع أشكال التجريح، جاءت ردة الفعل من جريدة "النهار" الصادرة في بغداد، لتختصر ليس فقط مأساة الكرد مع شركاء الوطن، بل عمق التردّي الأخلاقي المتستر بالوطنية.

تصدرّت الصفحة صورة توحي بمشهد اغتصاب جماعي لفتاة على يد مجموعة من الرجال. عمد مصمم الصفحة إلى تمثيل الفتاة بكردستان، والرجال بالدول المحيطة: العراق وإيران وسورية والأردن وتركيا، في تعبير ذكوري مبتذل لا يليق بصحيفة تحمل شعار نقابة الصحفيين العراقيين، ولا بمجتمع يدّعي الاعتدال. لا تمثّل جريدة النهار، المثيرة للجدل بعدد من كتابها، الصحافة العراقية، لكن اختيار الصورة تحتّم علينا جميعاً مواجهة حقيقة نخجل منها: لا يزال المجتمع العراقي شوفينيا في كل تفاصيله، وما تزال "الأنثى" في خطابه جسداً يستغل لإهانة الطرف "الذكر" .

كان الاغتصاب عبر التاريخ استراتيجية عسكرية متعمدة لبث الفزع في قلوب المجتمعات، ولبث روح الهزيمة والانكسار في الطرف الآخر عن طريق إيذائه في شرفه،وهو ما جعل الاغتصاب أو حتى التهديد به سلاحا عسكريا ضمن استراتيجية واسعة من الحرب النفسية. آخر استخدام له كان في العراق عندما استبيحت آلاف الأيزيديات، فاستحياهنّ مسلحو داعش بعد ذبح رجالهن، وأعادوا اغتصابهن شرعا باسم الدين. ما الذي يدفع محرر بصحيفة النهار إلى التلويح باغتصاب الكرد، باسم الوطن؟

العنصرية الممنهجة ضد الكرد هي تركة أجيال من الشوفينية العروبية التي ترى القوميات الأخرى دخيلة لا تستحق مواطنة من الدرجة الأولى. يثار الخطاب التحقيري فور صدور أي موقف من "الدخلاء" لا يرضي "الأسياد"، فيسيل القيح العنصري. لا يتردد حتى رجال الدين في إثارة سجالات تقطر حقدا ضد العرق الكردي، فمنهم من يصفهم بأبناء الجن، ومنهم من يرى قتالهم واجبا.

أمّا إقحام المرأة في السجال السياسي لابتزاز الآخر، فليس بظاهرة جديدة. المجتمع الشرقي المهووس بالجنس والمتخوّف منه، غالباً ما يخوض في شرف المرأة، فينتهكه تارة إنْ كان يمثّل العدو، ويستميت دفاعاً عنه إنّ كان الشرف مرتبطا به. مع اشتداد الوتيرة الطائفية في العراق بعد سقوط النظام السابق، أطلقَ الصداميون ومعهم الطائفيون العرب تسقيط "أبناء المتعة" على شيعة العراق، وبعد عقد من الزمن أقدم الشوفينيون من الشيعة على إطلاق لقب "أبناء جهاد النكاح" على السنّة، وانبرى الفريقان فرحين بذم الآخر وقذفه، واتهام نساء الطرف الآخر بالعهر والذّل.

ليست هذه المرة الأولى التي تعبّر فيها أقلام "حرّة" في العراق عن رأي سياسي في منطقة أو طائفة من خلال تصوير الآخر إمرأة آثمة أو مغتصبة، فأثناء عمليات تحرير الفلوجة، انتشر هاشتاك #الفلوجة_تغسل_عارها ورافقها رسم كاريكاتيري لشابة تعود إلى بيتها منكّسة الرأس، بينما يقف أبوها منتظرا تأديبها بسبب "العار" الذي ألحقته بشرفه.

يمكن التعبير عن رفض الاستفتاء واستقلال الكرد بكلمة موزونة وصورة هادفة ونقد بنّاء. استحضار المعاني السطحية للشرف بهدف التهديد والوعيد يعكس ضعف الحجّة وضعف النفس. لا يمكن التوّغل في ذهن مصمّم الصورة، ولكن لنقلْ فرضا إنّ دلالاتها تشير إلى ما ينتظر كردستان المستقلة من غضب الجيران. إنّ التلميح بشرعية الاغتصاب والعنف الجنسي كنوع من العقاب هو تعبير عن أداء اجتماعي له عمق تاريخي. عانت المجتمعات البشرية كافة من هذا الداء الذي لم يُعالج كلياً ولكن تمّ احتواؤه في ثقافات عديدة ليست من بينهما الثقافة الشرق أوسطية. إنّ صحيفة النهار مدينة باعتذار إلى الكرد جميعاً، وإلى الدول التي ألصقت اسمها قسراً في صورة مسيئة. فالإعلام المقروء يعد من منابع الإصلاح في المجتمعات، ولن تتعالج آفات العراق إذا كان الإعلام مصدر التآكل.

الحرة


PM:02:33:30/09/2017




280 عدد قراءة