ما أثر فوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام على وضع الأقلّيّات في العراق؟




أثار فوز الناجية الإيزيديّة نادية مراد بجائزة نوبل للسلام لعام 2018 توقّعات وآمال لدى الأقلّيّات العراقيّة، والإيزيديّين في شكل خاصّ، لا سيّما وإنّها العراقيّة الأولى التي تفوز بهذه الجائزة، كما أنّ القادة السياسيّون العراقيّون رحّبوا بهذه الجائزة واعتبروها تكريماً لنضال الشعب العراقيّ ضدّ الإرهاب والتطرّف.

فقد هنّأ رئيس الجمهورية برهم صالح خلال اتّصال هاتفيّ معها في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر، الناشطة مراد على نيلها الجائزة، كاشفاً عن إجرائه مكالمة هاتفيّة معها للتهنئة، فيما عدّ الفوز بالجائزة تكريماً لكفاح العراقيّين وصمودهم.

وفي بيان رسميّ، هنّأ رئيس الوزراء المكلّف عادل عبد المهدي نادية مراد، قائلاً: "أبارك للعراق والعراقيّين، أبارك للإخوة والأخوات الإيزيديّين، أبارك لنادية مراد منحها جائزة نوبل للسلام العالميّ لعام 2018، وهي الناشطة العراقيّة الإيزيديّة، سفيرة النوايا الحسنة لكرامة الناجين من الإتجار بالبشر، وإحدى ضحايا الإرهاب والتكفير والقتل الجماعيّ والسبي والاعتداء على الأعراض والكرامات وحقّ الحياة"، معتبراً أنّ الجائزة هي "أقلّ ما يمكن أن تحصل عليه بعد معاناتها وكفاحها هي وأخواتها وأبناء بلدتها من الإيزديّين وبقيّة العراقيّين".

ما جعل للجائزة أهمّيّة أنّها منحت هذه المرّة هذه المرّة لناشطة نسويّة وناجية من الإبادة، تحوّلت الى متحدّثة باسم أقلّيّة دينيّة تعرّض أفرادها إلى الإبادة.

يرى المدير التنفيذيّ لمؤسّسة "يزدا" مراد اسماعيل في حديثه إلى "المونيتور" أنّ تتويج مراد بجائزة نوبل للسلام كان حدثاً نادراً ثبّت دخول العراق إلى سجلّ نوبل من نافذة المجتمع الإيزيديّ، ومن نافذة الأقلّيّات والمرأة العراقيّة، وبذلك، يجب أن يحمل الفوز رسالة إيجابيّة وقويّة إلى الداخل العراقيّ بأنّ جميع فئات الشعب مهمّة وكرامتها وحقوقها مهمّة.

اسماعيل الذي رافق مراد في جولاتها الإقليميّة والدوليّة كمدير لحملتها منذ نهاية عام 2015 وحتّى بداية عام 2018 يتمنّى أن تكون هذه الجائزة بداية لكتابة صفحة جديدة من التاريخ العراقيّ، تتضمّن بداية لإعطاء الاهتمام الكافي للأقلّيّات الدينيّة، على نحو سيحفظ وجود هذه الأقلّيّات على أرضها، فالمؤشّرات الحاليّة، حسب قوله، "تحذّرنا من أنّنا نشهد في السنوات الأخيرة وجود الأقلّيّات غير المسلمة في العراق، ومن أنّ البلاد تعيش عصر نهاية التنوّع الدينيّ والإثني واللغويّ".

لغة التفاؤل والإيجابيّة التي تطغى على خطاب اسماعيل يعارضها عضو مجلس إدارة مركز الرافدين للحوار عمر الشاهر، إذ يقلّل الشاهر من أثر الجائزة بقوله: "بالنسبة إلى مجتمع متعدّد النكبات، ماذا سيعني تكريم دوليّ لإحدى الضحايا؟ هل حوّل فوز نادية مراد بالجائزة مآسي المجتمع العراقيّ إلى شأن دوليّ؟ لا يبدو هذا واضحاً". ويمضي خطوة أبعد في الإغراق بالتشاؤم بملاحظته أنّ "التمايز الداخليّ الشديد بين المكوّنات العراقيّة المختلفة، يحوّل أمراً مثل فوز نادية مراد، إلى دافع للشعور بالنقمة، وهذا ربّما ينطبق حتّى على أهل المكوّن الإيزيديّ نفسه أيضاً، حيث أنّ الكثيرين منهم ناقمون على نادية، لأنّهم يشعرون أنّها ارتفعت بسبب مأساتهم، متناسين أنّها كانت جزءاً من هذه المأساة".

ويضيف الشاهر، أنّه وعلى نحو أكثر تفصيلاً، فقد "جرى تجاهل الحدث على مستوى الأغلبيّة الإسلاميّة في البلد، لنوعين من الأسباب، الأوّل هو الملل من الإدانات الداخليّة والخارجيّة لما حدث منذ 4 سنوات خلت، والثاني هو محاولة التخلّص من العار الذي ألحقه "داعش" بالإسلام والمذهب السنّيّ على وجه الخصوص".

لكنّ الناشطة النسويّة وسكرتيرة جمعيّة الأمل العراقيّة هناء أدور تحاول جذب انتباه "المونيتور" إلى أثر الفوز على سايكولوجيا شرائح محدّدة من المجتمع مثل النساء، إذ أنّ مراد كامرأة أعطت مثالاً للعراق ككلّ على قهر المصاعب التي تواجه النساء في مناطق النزاع الإثنيّ، وقهرت تابو العنف الجنسيّ، فأصبح النقاش حول هذه المسائل الحسّاسة أمراً يوميّاً وعلنيّاً، في ظلّ مجتمع تقليديّ يسوده الحذر في مناقشة الأمور المتعلّقة بالنساء، وكانت جائزتها دافعاً لمقاومة التطرّف الدينيّ وإجبار الإيزيديّين على الأسلمة بالقوّة. وأضافت: "لقد أعطتنا الأمل بأنّ النساء قادرات على التغيير حقّاً".

أمّا مطران الكلدان في كركوك والسليمانيّة يوسف توما، فيشير إلى أنّ اختطافها ونجاتها ألقيا الأضواء على أقلّيّة دينيّة لم يكن العالم يعرف عنها شيئاً قبل عام الإبادة 2014، لكنّهما من ناحية داخليّة، أحرجا ممثّلي الجماعات الكبرى التي ستضطرّ نخبها إلى مراجعة سياساتها تجاه هذه الأقلّيّة، بما أنّ الإبادة التي حدثت كانت في النهاية نتاج تراكم إهمال وعدم توفير الحماية لهذه الأقلّيّة، فقد جاء الفوز، حسب تعبيره، في حديث إلى "المونيتور" "دينونة وحكم على سنوات من القهر وعذابات ذاقتها هذه الأقلّيّة والأقليّات الأخرى، وحكم على من يحاول إفراغ العراق من تنوّعه".

وأخيراً، وعلى صعيد مؤسّسات الدولة، فإنّ الفوز قد يغيّر من أولويّات معالجة بعض الملفّات المتعلّقة بالأقلّيّات على نحو يعزّز وجودها. وفي هذا السياق، يشرح ممثّل كوتا الإيزيديّين في البرلمان الاتّحاديّ صائب خدر إثر فوز مراد على المطالبة بحقوق الأقلّيّات وحقوق الإيزيديّين في شكل خاصّ، حيث سيسهل إدراجها ضمن أجندة البرلمان والحكومة العراقيّة، على الرغم من تعقيدها، ومن أبرز هذه المطالب عودة النازحين إلى أراضي سنجار، فبعد 4 سنوات من الإبادة، وحسب لقاءات لـ"المونيتور" بناشطين إيزيديّين في محافظتي أربيل ودهوك، لم تعد سوى قلّة قليلة لا تتجاوز آلافاً عدّة من أصل 400 ألف إيزيديّ كان يقيمون في سنجار قبل الإبادة، والسبب الأساسيّ لعدم العودة يتمثّل في الصراع السياسيّ حول النفوذ في هذه المناطق بين قوى سياسيّة مختلفة، وعلى وجه التحديد بغداد وأربيل، حسب ما يرى خدر وناشطون آخرون التقاهم "المونيتور" في أربيل ودهوك.

وهناك ملفّات حسّاسة أخرى يرى خدر أنّ فوز مراد يمكن أن يجعل مناقشتها ممكنة مثل زيادة عدد مقاعد الإيزيديّين في البرلمان الاتّحاديّ من مقعد واحد إلى 3 مقاعد، ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضدّ الإيزيديّين، والعمل على عودة المختطفات الإيزيديّات اللواتي ما زلن تحت قبضة أفراد التنظيم المتطرّف.



al-monito


AM:10:44:17/10/2018




104 عدد قراءة