مصطفى صالح كريم.. كتب عن نضالات الكورد وأخذته الصحافة من الأدب





خاص: إعداد- سماح عادل

"مصطفى صالح كريم” صحفي وكاتب كوردي، كان يشغل منصب معاون مسئول مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولد في 1933، تخرج في دار المعلمين ببغداد، انضم في شبابه إلى الحزب الشيوعي العراقي ومنه بدأ مسيرته السياسية، عمل معلماً ثم مدير مدرسة ومشرفاً تربوياً، على مدى 32 سنة، كان عضو مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكوردستاني منذ العام 1998 ثم أصبح معاون مسئول المكتب حتى وفاته، انتخب في مؤتمرين لنقابة صحفيي كوردستان، عقدا في أربيل والسليمانية، نائباً لنقيب صحفيي كوردستان في الفترة 2001- 2011.

صدر له الكثير من المؤلّفات منها: (رنين السلاسل، وشهداء قلعة دمدم، ومتّشحة بالسّواد، وفن كتابة القصّة، والرّداء الأبيض، وأم الأحرار، وحديقة من الكلمات، ورحلة إلى بلاد الرّاين).

شهداء قلعة دمدم..

في مقالة بعنوان (رائعة دمدم في سرديّة مصطفى صالح كريم) يقول "صلاح بابان”: "صدر عن وزارة الثقافة والسّياحة والآثار كتاب بعنوان "شهداء قلعة دمدم” للكاتب الكوردي مصطفى صالح كريم، بـ "88” صفحة من القطع المتوسّط، والّذي يسرد من خلالها إحدى القصص الّتي تروي أحد أهم البطولات الوطنيّة في تاريخ الكورد، والّتي وقعت في قلعة دمدم. جاء الكتاب في طبعته الثانيّة بمقدّمة من الأديب الراحل "شكور مصطفى” الّذي ذكر فيها: إنّ تاريخ الشعب الكردي، إذا عبّر عنه بلغة شعريّة، مثل وحده ملحمة طويلة، ولدت بداياتها، الأولى مع اندلاع نار بابا كوركور، وقيام جبال اكري، ومازال أبطالها يتجوّلون في كلّ أرجاء كوردستان، ويثور الغبار من تحت أرجل خيولهم مادامت النّار تتّقد في المواقد والدّم يجري في عروق الكرد أبناء كوردستان. إنّ (أمير خان) ذا الكفّ الذهبيّة كان واحداً من أبطال تلك الملحمة الكبيرة، فهو سواء أكان ينتمي إلى عائلة الأمراء والسّادة أم إلى عائلة الفقراء والمعدّمين، لم يكن ليقبل أن يكون (خاناً) ذليلاً، يأتمر بأوامر شاه الفرس، أو (بيكا) خادماً للقيصر الرومي. كان في الحقيقة كرديّاً واعيّاً، عرف عدوّه جيّداً، لذلك لم يكن يثق بالشاه الفارسي، أو يطمئن للقيصر الرومي، فما كان يلجأ إليه في أوقات الشدّة والمحن، ويعتمد عليه كلّيّاً، هو الجبل، الحصن المنيع الأمين، وشعبه الكرديّ الشجاع الوفي الأصيل. استطاعت مأساة قلعة دمدم، سواء من الناحيّة التاريخيّة، أم كملحمة أو قصّة إنسانيّة تراجيديّة، أن تجد لها مكاناً راسخاً في قلب شعب كردستان وذاكرته على مرّ الزّمن، حيث انتقلت من جيل إلى جيل عن طريق الشفاه، لتصبح مثالاً للبطولة والجرأة والإقدام، فمادام الكرد وكوردستان باقيين، وسيبقيان، فأنّها سوف تبقى ملحمة ترويها الأجيال، وحديثاً يدور على لسان المئات من القاصّين والشّعراء والمغنّين، وبطاقة دعوة لآلاف من النّدوات ومجالس السمر والتجمّعات الثقافيّة”.

ويواصل: "إنّ القاصّ الأديب والإعلامي مصطفى صالح كريم هو واحد من أولئك الأدباء الّذين يحملون هذه الراية، وأحد القاصّين المهرة المبدعين من الكرد، فهو الّذي بدأ السّير في هذا الطريق الشائك، لكتابة القصّة في الأدب الكردي، قبل ما يقارب ربع قرن من هذا الزّمن. لقد اتخذ الأديب المرحوم "شكور مصطفى” من هذه المقدّمة المتواضعة نافذة ليُدخل النور إلى تلك الغرفة الّتي شهدت على ما حدث للكورد على مرّ التاريخ، وإنّ أهم ما ركّز عليه في مقدّمته هذه، هو الإصرار والثّبات والتّضحيّة الأزليّة لدى الشّعب الكوردي من أجل الوجود القومي، والبقاء الإنساني، والحفاظ على هويّته الوطنيّة حتّى ولو كلّف ذلك الغالي والنّفيس. إنّ الشّعب الكورديّ الّذي تحمّل ويلات الطغاة، وظلم الملوك والأمراء، على مرّ التّاريخ، وتعرّض إلى كلّ هذا الظلم والاضطهاد، إلّا أنّه ما تنازل عن قضيّته الوطنيّة القوميّة، وسيبقى الكورد شعباً مسالماً محبّاً للخير والإنسانيّة، وسيناضل من أجل أن تبقى هويّته دون زوال، ورايته خفّاقة في أعالي قمم الخلود والمجد. وكذلك، كشف لنا من خلال هذه المقدّمة، إنّ الأديب الكبير مصطفى صالح كريم استطاع ومن خلال شاعريّته السرديّة، وذائقته الأدبيّة الّتي كشفها في بعض المواطن داخل القصّة، وحبكها حبكةً حكائيّة سرديّة، أنّ يجعل لنا قصّة دمدم واحدة من أجمل وأروع ما كتبَ في القصّة الكورديّة، إنّه، جعل بما يملكه من إحساسٍ مرهف، وحسّ وموسيقى فنّيّة ببعدها الإنساني الوطني القومي أن يصف لنا تلك المأساة الّتي وقعت في دمدم بأروع الصور الشاعريّة الإنسانيّة. إنّه كان الأداة الأهم والأبرز الّذي جعل دمدم أن ترى النور وتحلّق مرفوعة الرأس متنقّلة من شفاه جيلٍ إلى آخر، ويكوّن لها هويّة واسم في سجل البطولات والتضحية والنّضال والكفاح في تاريخ الشعب الكوردي”.



ويضيف : "يروي لنا مصطفى قصّة حبّ في سرديّته الحكائيّة هذه  بين أحد أبطال كوردستان (عودال بك)، وأميرة من أميراتها (فيان)، وشهد على حبّهما ذاك الجبل الذي كان ولازال من أحد العوالم المهمّة في تاريخ الشعب الكوردي، وأحد السور المهمّة في النضالات والمعارك الّتي خاضها الكورد ضدّ أعدائهم. قصّة الحبّ هذه واحد من آلاف القصص الّتي عاشها أبناء الكورد، وخطّوا منها أجمل الذكريات على الرغم من كلّ تلك الأوجاع والآهات الّتي لاقوها في أزمان وفترات مختلفة، إلّا إنّ أحاسيسهم ومشاعرهم تجاه الآخر ما أخمد نيرانها أبداً. بعدها يستمرّ  القاصّ مصطفى صالح كريم  في سرد حكايته هذه، والأحداث والبطولات التاريخيّة الّتي وقعت في القلعة، فبعد أنّ تمّ إكمال بناء القلعة، متضمّنة العديد من الغرف والصّالات والمخازن وكذلك قلعة (نارين) الخاصّة بأسرة (الخان)، تكرّر السيناريو الّذي اعتاد عليه الكورد على مرور تاريخهم بأن يكون للغريب سطوة وحكم ومكان وقرار في ديارهم ووطنهم، وهذا مستحيل بالنّسبة للكورد، فبعد أن وصلت رسالة إلى (أمير خان) من (الشّاه عبّاس) يطلب فيها من (أمير خان) بإسكان ثمانيّة آلاف من مجموع عشرين ألف من قطّاع الطرق الجلاليين الّذين هربوا من أراضي (العثمانلي) أمام زحف جنود (قويوجي مراد باشا)، وهذا الطلب من (الشاه عبّاس) ما هو إلا ومكر وخديعة منه للاستيلاء على هذه القلعة وإهانة أهلها وشعبها، وهذا مرفوض بتاتاً عند سكان القلعة، فقام رجالها مشهرين أسلحتهم وخناجرهم وأبسط ما يملكونه من الأسلحة البسيطة والخفيفة، واعدين (أمير خان) بأنّهم لا يسمحون للغريب بالدخول إلى القلعة وإهانة أهلها وشعبها، حتّى لو كلّفهم ذلك حياتهم وأموالهم وأرواحهم، ووعدوا الأمير بأنّهم سيضحون بالغالي والنّفيس من أجل الحفاظ على كرامة القلعة، والدّفاع عنها إلى آخر لحظة من حياتهم. اشتدت المعارك بين الطرفين بمرور الأيّام، ولم يكن يعاني الكورد داخل القلعة من أيّ نقص. فقد كان لديهم طعام وفير، وسبق أن حفروا خندقاً تحت القلعة يصل إلى ينبوع ماء عذب، لم يعرف بوجوده العدو، يزوّدهم بالماء الصافي بكلّ حريّة على نقيض الجنود القزلباش الذين تشتت شملهم وتفرّقوا أمام أنظار المقاتلين في القلعة، لذلك لم يمض وقت طويل حتى بادر (حسن خان) قائد الجيش العدو باللجوء إلى الشاه عباس، لطلب العون والإمداد. وبعد كلّ هذه الأحداث التي وقعت داخل وخارج القلعة أثناء وبعد الحرب، قرّر قائد العدو بالهجوم على (قلعة دمدم) لاحتلالها بأي ثمن، جمع قادة الفرق ومعاونيهم حدّد لهم مهامهم وأصدر لهم أمر تعرّض لا انسحاب فيه "لا أريد أن أرى شخصاً يتراجع إلى الوراء، فإمّا احتلال القلعة أو موتكم جميعاً”، بدأ الهجوم بشكل عسكري نظامي ووفق خطّة محكمة، سار الجنود المشاة وراء المركبات ذات الدواليب المتحرّكة ووراءهم ارتفعت فوهات المدافع والسلالم الخشبيّة الطويلة لتتقدم باتجاه القلعة من أربع جهات، على الرغم من تساقط المهاجمين كأوراق الشجر أثناء الهجوم بفعل  رصاص الرادوستيين المدافعين عن القلعة، والفوضى التي دبّت في صفوفهم، إلا أن قائد جيش الزلباش كان قد أصدر أمراً بقتل كل جندي يتراجع إلى الوراء أو ينسحب، مرّت القلعة بعدّة انتكاسات، وواحدة من هذه الانتكاسات، اختراق طلقة للصدر الأخضر لفيان، وهي تضمّد جرح حبيبها عودال بك، عندما أصابته طلقة في ساقه اليسرى، كانت فيان تودّ أن تنتقل إلى قلعة نارين وهي عروس، لكن القدر أتى بيها إلى القلعة بهذه الصورة المؤلمة وهي تنزف شلالاً من الماء الأحمر من ينابيع صدرها، وبعد هذه الأحداث المأساويّة الّتي شهدت عليها قلعة دمدم الخالدة في تاريخ الكورد، لكونها من أبرز البطولات والمواقف الّتي يفتخر بها، كان مصير (أمير خان) ورفاقه، أن يقتل بخيانة عظمى من قبل الفرس، بعد أن اتفق معهم على وقف القتال ونشر السلام، وعدم إسكان الجلاليين في القلعة، وأن لا يشارك في حكم القلعة غيره، وافقوا على ذلك، وأثناء توقيعهم الاتفاقية خان الفرس الاتفاقية، ودخل (أمير خان) بقتال عنيف وشرس معهم هو ورفاقه، وبعد أن قتل العديد من العدو، سلّم روحه وهو ورفاقه الّذين حضروا معه الاتفاقية، إلى السماء، لتكون نوراً مضيئاً للتاريخ الكوردي على مرّ الزمان. قد أظهرت هذه القصّة القصيرة براعة القاصّ مصطفى صالح كريم في صناعته القصصيّة، وقدرته الفائقة على تطويع قلمه لإبراز المفاهيم الإنسانيّة والقيم الجماليّة والروح القوميّة والمشاعر الوطنيّة في عمله الفنّي. إنّ دلالات القصّة عديدة وغنيّة، وقدّ ترجم هذا الكتاب من الكرديّة: الأستاذ بندر علي أكبر شاكه”.

اليوم الثالث..

وفي مقالة بعنوان (اليوم الثّالث الذي سرق مصطفى صالح كريم.. الصّحافة عندما تسرق الأديب من إبداعه القصصي) تقول "د. سناء الشعلان”: "جميعنا نعرف أنّ مصطفى صالح كريم هو أسطون من أساطين الصّحافة العربيّة والكرديّة، كما يعرفه الجميع بدماثته وجمال معشره وحبّه العذب للنّاس والحياة، ولكن القليل من النّاس ممّن يعشقون قلمه يعرفون أنّ الصّحافة قد سرقته بإصرار وسبق ترصّد من الأدب على الرّغم من أنّه قد أثبت طول باعه في حقل كتابة القصّة القصيرة، ولعلّه استجاب لهذه السّرقة المشروعة ما دامت هي من قدّمت قلمه للمجتمع بالشّكل الذي ابتغاه، وحملت قضايا الثّوريّة والوطنيّة والإنسانيّة والمجتمعيّة.ولكن هذا لا يعني أنّه قد استسلم لهذا القدر، وهجر الأدب الذي يعيش في أعماقه، بل هو قد احتال بذكاء على أقداره كي يرفد الأدب الذي يهواه بحياة جديدة في جسد العمل الصّحفي الذي يحترمه.. منذ عدّة سنوات صدر كتاب” اليوم الثّالث” الذي جمع مصطفى صالح كريم فيه مقالاته التي كان يكتبها في عاموده الأسبوعي تحت عنوان”اليوم الثّالث”، ولاشكّ أنّ الوقوف عند هذه المقالات التي كتبها مبدعها تباعاً عبر سنوات تشكّل مادة تاريخيّة وإعلاميّة غنيّة وأرضاً خصبة لكثير من المواضيع والدّراسات والمصادر المعرفيّة المهّمة، ولعلّ التّوثيق التّاريخي فيها هو من أهم ملامحها التي يجعلها مصدراً تاريخيّاً يوثّق لأهم الأحداث التّاريخيّة في المنطقة الشّرق أوسطيّة لاسيما فيما يخصّ القضية الكرديّة. وهذا أمر مفروغ منه بما يخصّ اهتمام قلم إعلامي كبير مثل مصطفى صالح كريم، فهو يمثّل مرقاباً محلّلاً وراصداً ذكيّاً وشجاعاً لقضيته وأولوياته الفكريّة والإنسانيّة.. وما يلفت نطري بشكل كبير في هذا الكتاب”اليوم الثّالث” أنّه قد سرق مبدعه من عالم الأدب وجيّره لصالح الصّحافة، ولكن مصطفى صالح كريم استطاع أن يطعّم الصّحافة بالأدب، وأن يؤرّخ بنكهة الأدب، فهذا السّفر الإعلامي هو منجز أدبي بامتياز، ولنا أن ندرسه من منطلق المنجز السّردي الذي لا يمكن أن يُصنّف بعيداً عن سرديّات إبداعيّة تقوم على أعمدة القصّ” .

 


وتواصل: "لي أن أقول بثقة أنّ كتاب "اليوم الثّالث” هو منجز سردي قصصي بامتياز، وأنّه عمل إبداعي من منظور تجنيسي إن سلّمنا بنظرية تداخل الأجناس الأدبيّة.. "اليوم الثّالث” هو حالة سرديّة فضفاضة تأخذ من تقنيّات ألف ليلة وليلة وتقنيات السّرد الشّعبي الملحمي الذي يحمل ميراث أمّة كاملة لتتموضع هذه التّقنيّات في قصص قصيرة كلّ منها يستقلّ في شكله العام إلاّ أنّه في النّهاية ينبثق من قصّة كبرى، ويعود إليها بعد أن يعرّج على تفاصيل يوميّة وحياتيّة ونضاليّة يعيشها المشهد الكردي بشكل خاص والمشهد العربيّ بشكل عام. وهو بذلك يلعب دور الحكواتي الذي يداعب الخيال، ويخاطب المنطق، ويرسم له معالم المشهد الذي يعيشه.. ومن تقنيّات القصّ الواضحة في هذا الكتاب أن يلجأ مبدعه إلى أن يحشد سلسلة من القصص القصيرة جدّاً بأسلوب توثيق الحكايا الشّفويّة الشّعبيّة السّائرة على ألسنة العامّة والعائشة في مخيال الأمّة الكرديّة ليحرّض قرّاءه على تبنّي فكرته أيّاً كانت، وهو كثيراً ما يسرد هذه الحكايا بأسلوب التّعداد المباشر كي يقودنا إلى أن نستسلم بطواعية وإيمان إلى الفكرة التي يطرحها، وهو يبدأ كلّ قصّة بإسنادها إلى بطلها، فيذكر- على سبيل المثال- : ” قصّة المرأة البطلة، وقصّة الشّرطي العراقي، وقصّة الشّيخ الكبير، وقصّة المرأة الحامل، وقصة بابا علي محي.. ومن أهمّ خصائص السّرد القصصي في كتاب "اليوم الثّالث” أنّه يقدّم قصّة بلغة سهلة وواضحة وبنية غير معقّدة وذات تسلسل سردي تواتري تاريخي بعيد عن الكسر الزّمني أو التقنيات الزّمنيّة التي تربك تقلّي القارئ أو تضعه أمام متاهة سرديّة يصعب عليه أن يستوعبها؛ ومن السّهل أنّ نعلّل جنوح مصطفى صالح كريم إلى هذه التّقنية ما دام هو صاحب قضيّة وفكرة ملحّة يريد أن يطرحها متبنّياً لها، فهو براغماتي ثوري في أدبه، وليس في صدد الانتصار على فكرة الشّكل القصصي، وفرض نمط معقّد يقوده إلى ريادة شكليّة هو في غنى عنها مادام مخلصاً للرّسالة التي يحملها في أدبه، وهي رسالة خدمة القضيّة الكرديّة”.

وفاته..

توفي "مصطفى صالح كريم”  الأحد 16 كانون الأول 2018، متأثراً بالمرض في مدينة السليمانية.

 kitabat


AM:11:08:17/12/2018




1916 عدد قراءة