الموقف الصريح للمثقف العراقي من أحداث بلده يؤدي إلى موته






زينب المشاط

خمسٌ وثلاثون عاماً قُيّد خلالها المشهد الثقافي والادبي العراقي بسلاسل وأُحبست الكلمات خلف قضبانٍ من حديد، لم تظهر إلى النور سوى تلك الكلمات التي وجهت وفق ايدلوجيات النظام، او طبلّت وصفقت وهتفت باسمه، أو تلك التي كانت تخشى قول الحقيقة، فبقيت أوراقها مستترة في سراديب مظلمة وظهرت بعد عام 2003...

وِعدنا بالكلمة الحرة، والفن الحر، والجمال، وأخذ الحقوق، وعدنا بالكثير الكثير بعد عام 2003، ولم نحصد سوى الموت مهما زرعنا، سابقاً كان لكلماتنا الحرة السجون والعذابات، واليوم لها صدورنا وبعض رصاصات مجهولة الهوية...

الكثير من الصمت، وصبر لا حدود له هذا ما نحاول أن نتعلمه اليوم في وقتٍ لم تُتعب الدولة العراقية برمينا في السجون في حال نقدها أو التهجم عليها أو قول كلمة حق فيها، فكل فرد في هذه الدولة له جيشه الخاص والكفيل بأخذ حقها ...

أتساءل وبعيداً عن الشخصنة، هل مصير الكلمة الحرة للمثقف والفنان أن تُكبل بسلاسل الصمت؟ حتى بعد وعود لا متناهية من الحريات؟
صفحاتنا الورقية في الصحف باتت مهددة، أدوار الفنانين على خشبة المسارح مهددة، كلماتنا الألكترونية في صفحاتنا الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي صارت مهددة كذلك، وما علينا سوى أن نهمس بكلماتنا لأنفسنا خشية أن يسمعها احد، أو ان نحبسها في عمق روحنا، أو نكتبها على ورقٍ ونُخبئها في سراديب مظلمة كما كان يحدث في السابق.

المثقفون يشعرون اليوم بأنهم وكلماتهم مستهدفون، يذكر الناقد فاضل ثامر لـ "المدى" قائلاً " نحن نشعر دائماً باننا مشاريع للقتل من قبل القوى الظلامية المنتشرة هنا وهناك ، فنحن نشعر إن هذه القوى كارهة للمثقفين وللثقافة، لذلك نحن نعمل بدورنا على أن نقف بقوة ضد مثل هذه القوى."

لا شيء يضمن للكلمة حريتها، يطالب الناقد فاضل ثامر الحكومة العراقية قائلاً " نحن نطالب بقوة من قبل الجهات المعنية أن تضمن لنا حرية الكلمة، فالمثقف والثقافة بلا كلمة حرة هما غير موجودين." مُشدداً " ونتوجه للحكومة والمرجعيات بإدانة اي جريمة ضد الكلمة الحرة او المثقفين ونقول إن هذه هي جناية لقتل المثقفين العراقيين جميعاً، فنحن اليوم لانقف حداداً على روح شخصية ثقافية بحدّ ذاتها نحن نقف حداداً على روح الثقافة العراقية التي باتت مهددة بالقتل في أي زمانٍ ومكان."

وأكد ثامر قائلاً " إن أي حزب أو جهة أو شخصية سياسية لم تقف لتستنكر بشكل رسمي مقتل المثقفين والكلمات الحرة، يعدّون ضمن دائرة الاتهام بقتل اي مثقف، كما أن عليهم وبتصريحات رسمية أن يضمنوا حريات التعبير للمثقفين ."

يبقى على الكلمة الحرة الناقدة للوضع الحالي والتي ينطقها المثقف أن تكون واعية، وموجهة ومصوّبة بشكل صريح هذا ما يذكره الناقد علي حسين الفواز قائلاً "إنه في ظل ظرف سياسي ملتبس، يكون الحديث عن الرموز السياسية والدينية بقدر ما هو جزء من التابو إلا انه يجب أن يأتي ضمن سياق نقدي." ويشخص الفواز جانباً من مشكلة فهم المثقف للنقد ويقول "إن مشكلة وعي الثقافة وممارسة الثقافة اذا لم تأتِ ضمن سياق نقدي فاعل وحقيقي يؤسس لنفسه ستفشل وتكون موجهة بشكل واضح إلى ما يعبر عن الانفعال."
ويشير الفواز قائلاً إن "الكثير من المثقفين يمارسون الخطاب الثقافي كأنه انفعال واعتقد إن المثقف النقدي الواعي والمسؤول هو الذي يدرك أهمية الوظيفة النقدية للفعل الثقافي." ذاكراً " أن القوة السياسية اليوم قوة غير تاريخية وغير مهيئة للتحول باتجاه الفكرة المدنية وفهم البنية الحقوقية للدولة العراقية والاستحقاقات الحقوقية للتحول المدني لهذه الدولة."

وتحدث الفواز عن الضحية الثقافية قائلاً " اظن أن قضية الحديث عن الضحية الثقافية في هذا الوضع الملتبس يجب أن توضع على الطاولة وتشرح بوعي وموضوعية حتى لا نعيد انتاج الضحايا من جديد." ذاكراً إنه " من الواجب أن يتسلح المثقف بالوعي النقدي والمسؤولية حتى حين يتعامل مع المشكلات ، يجب أن يتعامل معها بوعي نقدي وهذا الأمر يقود للحديث عن أهمية الوعي النقدي في التعامل مع القوى السياسية التي لا تتغير ولن تتغير اذا لم يكن هناك فعل نقدي حقيقي يكون واعياً لاستقراءات اللحظة الحالية، لا اطلاق شتائم وسباب تتسبب بالنهاية بخسارة المثقف لذاته."

يبدو إن ظاهرة قتل الكلمة الحرة لا علاقة له باليوم وبالامس، تذكر الكاتبة عالية طالب إن "الموضوع ليس نظاماً سابقاً وحالياً ، هو موقف الاديب من أحداث بلده ونقده للواقع، اذا كان بائساً أو جيداً، متى يمجد المثقف ومتى يهاجم؟ قد نقول سابقاً إن من كان يهاجم النظام السابق كانت السجون بانتظاره، أما اليوم من يهاجم الواقع الحالي وبسبب وجود عدة أنظمة ومنافذ قوى ربما تزيد قوتها على قوة الدولة حين نهاجم منفّذاً ونسكت عن آخر نكون أيضاً جبناء."

تشير طالب إن الجميع اليوم يشتركون بتقديم الأسوأ للعراق وتقول " نحن حين نتحدث نتحدث بالعموم ولا نشخص بالاسماء ذلك ان الواقع الحالي يؤكد ان الكل يشتركون بتقديم الأسوأ للعراقيين والعراق، كما إن الكل يشتركون بارجاع العراق الى الوراء باسهامهم بالفساد ليس على مستوى الدولة فحسب بل على مستوى الفساد الاداري والمالي وعلى مستوى علاقتهم مع دول الجوار وعلى مستوى الواقع الدولي وعلى مستوى وجود العراق كدولة لها هيبة وسلطان وتؤمن بالقوانين المدنية وتطبق دستورها ويعيش مواطنيها بسلام كل هذا كله غير متوافر اليوم." أما بالنسبة لدور الاديب فتشير طالب قائلة " لقد إعتاد الاديب العراقي على دفع الثمن غالياً ذلك إن الاديب الذي يقف بوجه هذا الاعصار عليه أن يقبل بموقعه الصلب وإلا فليتراجع ويسكت ويكون صنماً." مؤكدة إن " من يقف اليوم في وجه التيار أما ينحني أو يقتلعه هذا التيار، فمن رحل منا هم من اقتلعهم التيار، ومن بقي منا موارباً بين فتح الباب وغلقها أما ينجو أو يأتي عليه الدور لهذا نحن دائماً ندفع ضرائب لوقوفنا بوجه التيار، ونحن دائماً بانتظار دورنا من احتمالية أن يقتلعنا التيار."

المدى 


PM:12:24:10/02/2019




180 عدد قراءة