مصادرة جريدة "الأهالي" للمرّة الثالثة... هل تعود الرقابة على الصحف مثل العهد الناصريّ؟





القاهرة - أثارت عمليّة مصادرة جريدة "الأهالي" ومنع عددها في 29 أيّار/مايو من الصدور، استياء وجدلاً شديداً في الأوساط الصحافيّة والحقوقيّة، خصوصاً أنّها المرّة الثالثة التي تصادر فيها أعدادها.

تجدر الإشارة إلى أنّ الرقيب المعين في المطبعة يراجع المواد المنشورة في الجرائد، وهو ضابط من الأمن الوطني.

وأصدر حزب التجمّع الوطني التقدميّ الوحدويّ في مصر، مالك الجريدة، بياناً استنكر فيه الواقعة، متسائلًا عن سبب تكرار عمليّة المصادرة للأسبوع الثالث على التوالي، وهو ما اعتبره الحزب تدخّلاً سافراً هدفه تغيير المادّة التحريريّة لجريدة "الأهالي"، وإلاّ لن يصدر العدد بحسب التهديد الذي تلقّته الجريدة طبقاً للبيان.

وتساءل البيان عن الرقيب، الذي يفرض إرادته لمصادرة الجريدة: فمن هو هذا الرقيب؟ ومن عيّنه للتدخّل بالحذف والمنع والتعديل على المادّة الصحفيّة لجريدة حزب سياسيّ عريق هو حزب التجمّع الوطنيّ التقدميّ الوحدويّ؟ ومن هي المؤسّسة أو الجهة التي عيّنته رقيباً؟ ولأيّ قانون يستند في قراراته؟ وعلى أيّ مادّة من موادّ الدستور يعتمد؟ وقبل ذلك وبعده، هل عادت الرقابة على الصحف؟ ومتى عادت؟ وما هي المعايير والمبادئ القانونيّة والدستوريّة الحاكمة لقيام السيّد الرقيب بفعل الحذف والمنع والمصادرة؟

وأشار البيان إلى أنّ تلك التصرّفات قد خالفت قانون النشر والصحافة، وبصفة خاصّة موادّ الدستور التي تنصّ على حريّة الفكر والرأي والتعبير، وحريّة النشر، وإلغاء الرقابة.

وأكّد الحزب أنّ فرض رقابة على الإعلام لا يحمي سوى الفاسدين والخارجين على القانون، ويشيّع مناخاً ضارّاً بالاستثمار ومكافحة الإرهاب، ويساهم في نشر الشائعات التى تهدّد الأمن الوطنيّ والاجتماعيّ وتشجّع على عدم الاستقرار.

عودة إلى العصور البائدة

وقالت رئيسة تحرير جريدة "الأهالي" الأسبوعية أمينة النقّاش: إنّ مثل تلك الممارسات من مصادرة للصحف والتدخّل لتغيير المحتوى التحريريّ فيها قد ولّى عهدها منذ قديم الأزل، حينما كانت النظم السياسيّة المنغلقة والشموليّة تريد أن تمنع وصول معلومات وبيانات محدّدة للجمهور، وهو ما لا يجدي نفعاً في العصر الحاليّ مع وجود الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعيّ التي تتيح نشر أيّ شيء.

أضافت أمينة النقّاش في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور": هذه هي المرّة الثالثة التي تتمّ مصادرة عدد الجريدة فيها للأسبوع الثالث على التوالي، بسبب مواضيع يبدو أنّها لا تنال إعجاب السلطة الحاكمة في مصر حاليّاً.

وأشارت إلى أنّ الواقعة الأولى للمصادرة كانت بسبب نشر طلب إحاطة قدّمه النائب البرلمانيّ محمّد فؤاد، في عن قضايا فساد واستغلال نفوذ تخصّ وزيرة سابقة في الحكومة.

ولفتت إلى أنّ الواقعة الأخيرة "الثالثة" للمصادرة حدثت بعد اتصال هاتفيّ تلقّته من شخص مجهول طالبها بحذف تحقيق صحافيّ موسّع عن حالات العفو والإفراج الرئاسيّ عن عدد من المحكوم عليهم، فما كان منها إلاّ أن وعدته بمناقشة الأمر مع مجلس التحرير، ثمّ اجتمعت مع مجلس التحرير وقيادة الحزب واتّخذوا جميعاً موقفاً رافضاً لطلب الحذف أو حتّى مجرّد التعديل، فتمّت المصادرة بالفعل ولم يصدر عدد الجريدة في صباح الأربعاء 29 أيّار/مايو.

وأكّدت النقّاش أنّها وجميع قيادات الحزب يرفضون بشدّة هذه التدخّلات الرقابيّة التي تكرّرت في الفترة الأخيرة خصوصاً، مشيرة إلى أنّ هذه التدخّلات مخالفة للقانون والدستور الذي ينصّ على حريّة الصحافة، في المادّة 70 منه، والتي تنصّ على أنّ "حريّة الصحافة والطباعة والنشر الورقيّ والمرئيّ والمسموع والإلكترونيّ مكفولة.. إلخ".

وفي الآونة الأخيرة، شنّت السلطات المصريّة عمليّات حجب واسعة للمواقع الإلكترونيّة الإخباريّة، المستقلّة أو المملوكة لرجال أعمال، والتي لا تخضع لهيمنة الدولة بشكل مباشر، بحسب تقرير أصدرته منظّمة حريّة الفكر والتعبير. وأوضح التقرير المنشور بعنوان "قائمة المواقع المحجوبة في مصر" أنّه في 24 أيّار/مايو من عام 2017 قامت السلطات المصريّة بحجب 21 موقعاً إلكترونيّاً، وكانت المواقع المحجوبة بغالبيّتها هي مواقع إخباريّة. ولاحقاً، توسّعت السلطات في حجب المواقع الإلكترونيّة لتشمل عدداً ضخماً من المواقع التي تقدّم محتوى وخدمات مختلفة حتّى وصل عدد المواقع التي تعرّضت للحجب إلى 513 موقعاً على الأقلّ، بحسب نصّ التقرير.

مصادرة الصحف في العهد الناصريّ

بدوره، علّق أستاذ العلوم السياسيّة الدكتور عمّار علي حسن، بجامعة القاهرة، على مصادرة جريدة "الأهالي"، لافتاً إلى أنّها تعيد إلى الأذهان تجارب العصر الناصريّ، حينما كانت هناك رقابة مشدّدة على الصحف، ويتدخّل الرقيب لحذف أيّ موادّ تحريريّة لا تأتي على هوى السلطة، وذلك بعد توقّف الصحف الحزبيّة تماماً بعد حلّ الأحزاب عقب ثورة الضبّاط الأحرار في 23 تمّوز/يوليو من عام 1952.

وقال عمّار علي حسن في حديث هاتفيّ لـ"المونيتور": منذ 25 تمّوز/يوليو من عام 1952، صدر قرار بفرض الرقابة العسكريّة على الصحف، واستمرّ التنكيل بالصحافة والصحافيّين بعدها، حيث اختفت جرائد كثيرة كانت تصدر في العهد الملكيّ، مثل: "المصريّ" و"الوفد" و"البلاغ"، وبقيت الصحف الحكوميّة مثل "الأهرام" و"الأخبار"، لكن مع وجود رقيب مُعيّن من مجلس قيادة الثورة داخل كلّ مطبوعة، ليتابع أوّلاً بأوّل ما ينشر وله الحقّ في أن يعترض على نشر أيّ مادّة تحريريّة.

أضاف: إنّ عهد الرقابة على الصحف والتقييد القانونيّ لها يمتدّ إلى ما يقارب الـ140 عاماً، حيث صدر القانون الأوّل للمطبوعات في مصر خلال عام 1882، وكان يتضمّن قيوداً شديدة على حريّة الصحافة، منها أنّه لا يجوز للصحف التعرّض لكبار الموظّفين في الدولة. وفي حال وصول خبر للجريدة يفيد بأنّ أحد المسؤولين ارتكب فعلاً يخالف القانون سواء سرقة أم اختلاس المال العام، فعلى الجريدة ألاّ تنشر ذلك وتستره قدر الإمكان.

ولفت حسن إلى وجود تشابه بين ما يحدث حاليّاً وبين ما كان يحدث أثناء حكم الدولة العثمانيّة، حيث كان يوجد موظّف في ديوان السلطان العثمانيّ اسمه "المكتوبجي" ووظيفته هي مراقبة الصحف وحذف أيّ موادّ تحريريّة يعتبرها غير صالحة للنشر وحذف الكلمات التي تعمل على تهييج الجماهير مثل "ثورة، دستور، ظلم،.. إلخ."

al-monitor


AM:11:45:15/06/2019




8 عدد قراءة