ضوابط جديدة للإعلام المصريّ... تنظيم أم تقييد





القاهرة — في عام 2014، أعلن الإعلاميّ المصريّ محمّد الغيطي، على قناة "إل تي سي"، أنّ مصر أسرت قائد الأسطول السادس الأميركيّ منذ عام مضى، وهو ما نفته مصادر عسكرية. وفي العام التالي، عرض المذيع أحمد موسى على قناة "صدى البلد" مقطع فيديو من لعبة "Airstrike Apache air assault"، على أنّها مشاهد حقيقيّة من سوريا يقوم فيها الجيش الروسيّ بقصف تنظيم "الدولة" والجيش الحرّ. وفي العام الماضي، ألقت قوّات الشرطة القبض على الإعلاميّة ريهام سعيد بتهمة الاتفاق مع لصوص لخطف أطفال لتصوير برنامجها على قناة "النهار"، وهي الحادثة التي سلّطت الضوء على مدى انفلات وسائل الإعلام المصريّة وغياب مصداقيّتها.

وتحت زعم تنظيم هذا المشهد، وضع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في 11 حزيران/يونيو الجاري، ضوابط للبرامج التلفزيونّية التي تذاع من داخل البلاد، مؤكّداً أنّ هذه القواعد تتوافق مع الدستور والقانون ومواثيق العمل الإعلاميّ ومواثيق الأمم المتّحدة وهيئاتها.

وألزم المجلس، القنوات التي تذيع برامجها من داخل مصر، بأن يكون مقدّمو البرامج الدينيّة ملمّين بالقضايا الدينيّة والسيرة النبويّة، ولديهم قدر من حفظ آيات القرآن الكريم والنطق الصحيح لها، وعلى أن يقتصر ضيوف البرامج الدينيّة على علماء الدين أو أساتذة الجامعات. كما طالب المجلس القنوات بالاستعانة برجال دين محدّدين من الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف المصريّة. وفي عام 2017، أعلن المجلس ذاته عن قائمة بـ50 عالماً معتمدين للإفتاء في الصحف والقنوات، ولكن مع مرور الوقت، كشفت وسائل إعلام مصريّة وجود حالة استياء داخل الأزهر، نظراً إلى عدم التزام بعض الفضائيّات بهذه القائمة.

وأكّد إسلام بحيري، وهو مقدّم برنامج "البوصلة" على قناة  "Ten”المصريّة، والذي سجن عاماً بتهمة ازدراء الدين الإسلاميّ، لـ"المونيتور": "أعتقد أنّ المجلس يحاول تنظيم برامج الفتوى، وأنا برنامجي فكريّ ولست شيخاً، ولا أحد في الدنيا يستطيع تقييد الفكر".

أمّا في البرامج الرياضيّة فحدّد المجلس للقنوات 28 بنداً كي تلتزم بها، أبرزها: الالتزام بالحياديّة وعدم التحيّز للانتماء الفرديّ لأيّ من أسرة البرنامج وعدم تسييس المحتوى وربطه تلميحاً وتصريحاً بأوضاع الشارع، واحترام الرموز الرياضيّة، وعدم التحريض أو إثارة الرأي العام. وحظّر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رئيس نادي الزمالك المثير للجدل مرتضى منصور من الظهور مرّات عديدة، بسبب ما ذكره المجلس في حيثيّاته، وهو "الحفاظ على مقتضيات الأمن القوميّ".

وفي البرامج الطبيّة، ألزم المجلس القنوات عدم استضافة أيّ دكتور من دون إذن من وزارة الصحّة المصريّة ونقابة الأطباء، والجامعة التابع لها من أجل تحديد درجته العلميّة.

وفي السياق ذاته، حدّد المجلس 21 ضابطاً أكثر صرامة لبرامج "التوك شو"، والتي اعتبر أنّها طالها الانفلات وتسيس المحتوى. ولذا، أصبح لزاماً وضع ضوابط لها بسبب تأثيرها في الرأي العام.

وحدّد المجلس مدّة البرنامج بـ90 دقيقة، وحمّل رئيس التحرير مسؤوليّة ما يذاع، وأن يهتمّ فقط بالأحداث الجارية، وأن يتمّ "التنسيق مع الدولة في ما يخصّ أخبارها". ومن الضوابط أيضاً إخطار المجلس والنقابة بالكوادر العاملة، وألا تزيد مدّة الفواصل الإعلاميّة عن 8 دقائق.

وألزم المجلس، وفقاً لخطابه، البرامج بالحفاظ على صورة مصر وعلاقاتها، وأن تراعي خصوصيّة العلاقات المصريّة العربيّة والإقليميّة، وأن تبرز مصادر معلوماتها.

وأكّد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الكاتب الصحافيّ مكرم محمّد أحمد، أنّ الضوابط تهدف إلى وقف حالة الفوضى والمصادر المجهولة، وضبط الأداء الإعلاميّ الذي أصابه الانفلات في السنوات الأخيرة، وقال لـ"المونيتور": إنّ المجلس يعمل على وقف التجاوزات بحقّ الآخرين وتوفير إعلام مهنيّ يراعي علاقات الدولة ومصالحها، ويفرض ضرورة التحقّق من المعلومات وعدم نشر الشائعات.

وفي هذا السياق، رأى رئيس قناةTEN  ومقدّم برنامج "بالورقة والقلم" على القناة الإعلاميّ المصريّ نشأت الديهي أنّ هذه الضوابط تعدّ جزءاً من حزمة إجراءات مهمّة وضروريّة لإعادة تنظيم المشهد الإعلاميّ، وفقاً لقواعد الدستور، مشيراً إلى أنّه يؤيّد هذه القرارات التنظيميّة ويرى أنّها خطوة جادّة يجب أن تستكمل في المستقبل، وقال لـ"المونيتور": "إنّ المشهد الإعلاميّ في مصر كان يسير منذ عام  2005 في حالة فوضى أدّت في النهاية إلى إحداث حالة ضبابيّة شديدة، وأداء إعلاميّ منفلت، والدولة كانت غائبة".

أضاف: "الدولة بدأت في التنظيم التشريعيّ والمؤسسيّ... والنتيجة الآن أنّ الأداء صار منضبطاً، والمشهد تمّ تنظيمه بشكل معقول، إلاّ أنّنا لم نصل إلى الشكل المثاليّ، لكنّنا ما زلنا في الطريق".

من جهته، أكّد رئيس قسم الصحافة في كليّة الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور محمود خليل أنّ هذه الضوابط لا تشتبك مع المشكلات الرئيسيّة للإعلام في مصر، وتشير إلى أنّ المجلس تحوّل من مؤسّسة تضمن استقلاليّة القنوات إلى جهة رقابيّة، وقال لـ"المونيتور: "إنّ الضوابط الدينيّة تحوّل البرنامج إلى مسجد، وتحوّل المذيع من إعلاميّ خرّيج إحدى كليّات الإعلام إلى إمام أزهريّ. أمّا ضوابط برامج التوك شو فلا تضمن الاستقلاليّة ولا تتصدّى لتدخّلات ملاّك القنوات وغيرها من تدخّلات من جهات تفرض محتوى ضعيفاً على البرامج، وتتحكّم في ما يتمّ تداوله".

أضاف: "كان يجب أن تكون أولويّة المجلس إصدار قانون حريّة تداول المعلومات، ووقف دمج القنوات الذي أدّى إلى اغتيال المنافسة، وأن تعطى للقائمين على البرامج حريّة اختيار ضيوفهم".

وأشار إلى أنّ الضوابط عالجت قضايا محدودة مثل منع عناصر غير مؤهّلة من العمل الإعلاميّ.

سعيد حساسين، الصيدلي الشهير في مصر، والمتهم بارتكاب جرائم نصب، غير حياته المهنية من "صيدلي" إلى مقدم برنامج حواري، على الرغم من أنه لم يعمل في أي من وسائل الإعلام من قبل.

في عام2017 ، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن حاتم الجمسي الذي يظهر في البرامج الأخبارية التلفزيونية المصرية ، كمحلل في السياسة الأمريكية، يعمل كطاهي طعام بالولايات المتحدة.

وردّ أمين المجلس الأعلى للإعلام أحمد سليم فأشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ هذه الضوابط تهدف إلى تنظيم الإعلام ولا تفرض أيّ رقابة، لافتاً إلى أنّ قرارات جديدة سيتمّ الإعلان عنها لمعالجة المشاكل الأخرى.

في هذا السياق، رأى الإعلاميّ المصريّ البارز والأكاديميّ في الجامعة الأميركيّة بالقاهرة حافظ المرازي، الذي عمل في عدد من الفضائيّات المصريّة، أنّ هذه "الضوابط" لا يوجد مثلها في أيّ دولة بالعالم فيها شبه حريّة، فمن وضعها يريد موظّفاً يعمل تحت إمرته، مشيراً الى أنّ هذه البرامج ومقدّميها لن يستطيعوا تقديم صور وتوثيق كلّ ما يذيعونه، كما طالب المجلس منهم، وقال لـ"المونيتور": "باختصار، من كتبوا هذا الكلام يريدون فقط منع الكلام وغلق برامج التوك شو".


al-monitor



PM:02:55:04/07/2019




156 عدد قراءة