عالم من دون فيسبوك
جاسم الحلفى

عشرة ايام قضيتها في جمهورية الصين الشعبية، لم اتمكن خلالها من الدخول الى صفحات التواصل الاجتماعي ( فيسبوك وتويتر). فصفحات هاتين الوسيلتين محظورة في الصين، كذلك الحال بالنسبة الى صفحات غوغل. ولم تنجح محاولاتي العديدة، واستعانتي باصدقاء ذوي خبرة في هذا المجال، في تمكيني من الولوج الى هذه المواقع. فكسر هذا الحظر هو نوع من العبث كما يبدو، ومن المؤكد ان كثيرين غيري من المواظبين على زيارة المواقع المذكورة سبقوني الى ذلك، ومن غير المعقول ان افلح انا بالذات من بينهم في اختراق جدار الحظر المصمم من قبل كبار خبراء الالكترونيات الصينيين.

ومع عجزي عن الولوج الى المواقع المذكورة، برزت امامي مسألة حرية التعبير واهميتها، والحاجة الى الوصول الى المعلومة.

بطبيعة الحال كان تصفح تلك المواقع، لاسباب عديدة، يشكل اولوية بالنسبة لي. لكن لم اكن اتوقع ان تبلغ قوة ارتباطي بالعالم الافتراضي هذا الحد، اذ اصبح مثل الهواء الذي اتنفسه. ويبدو ان الاحساس بقيمة الشيء يكون اكبر عند فقدانه.

لم افكر خلال ذلك بأولويات النظام الصيني، والمواقع البديلة ذات الخصوصية الصينية التي وفرها لشعبه. فالنظام يحسب الحساب لاستقراره. ووفقا لعقيدته، ركز على التنمية الاقتصادية. وهنا اتذكر مقالة للمفكر اليساري الراحل هادي العلوي، الذي كان مهتما بالحضارة الصينية (الى جانب ثقافته الماركسية التي استطاع عبر منهجها تقديم قراءة مغايرة للتاريخ العربي الاسلامي) وقد علّم وتعلم في الصين. فعند بدء الاحتجاجات الواسعة التي اطاحت بالاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في بداية التسيعنات، ووصولها الى الصين وبالتحديد الى ميدان (تيانامين) في بكين بمبادرة من الطلبة، كتب العلوي مقالة مفادها ان اتركوا التنين نائما، لا توقضوه، لانه لو نهض لتسبب في انفجار كبير. وستعجز اوربا وامريكا عن استيعاب موجات هجرة مئات الملايين، إن تم التعرض إلى النظام وتلكأ في تأمين المعيشة للشعب الصيني. وجاء العلوي بمثال معبر قائلا انه لو كان المطلوب زيادة بيضة واحدة على مائدة فطور كل مواطن صيني يوميا، فان ذلك سيتطلب من النظام توفير مليار ومائتي مليون بيضة يوميا، وفق نفوس الشعب الصيني آنذاك!

ويبدو ان الغرب كان يدرك هذه الحقائق، فاختار ان لا يوقظ التنين، ولم يتدخل في الشأن الصيني. لكن التنين استفاق من نومه، فاستيقظ وانصرف الى العمل بهدوء وقوة وتنظيم عالية، مركزا على التنمية وتطوير الاقتصاد والحرص على التعددية فيه. حتى استطاع ان ينافس في الاسواق العالمية، وتمكن من ايصال البضائع الصينية الى كل اسواق العالم. وحقق في سياق ذلك معدلات تنمية سنوية وصلت الى ١٠ في المائة تقريبا.

ويبدو ان انفتاح الصين على الاستثمارات في اطار السوق الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، قد نجح حتى الان في اطار التنمية. لكن هذا الاقتصاد انتج مشاكل جديدة، منها جذب الاستثمارات الخارجية، واتساع دور القطاع الخاص، وتنامي طبقة الرأسماليين المحليين المرتبطين بالمصالح الدولية، كذلك ارتباط الاقتصاد الصيني ارتباطا وثيقا بالاقتصاد الرأسمالي الذي يتعرض إلى الازمات، وبضمنها الازمة المالية التي اندلعت في عام 2008 وانعكاس ذلك كله على الاوضاع في الصين وتسببه في الفجوة الواسعة بين الفقراء والاغنياء،.

يشير المفكر الماركسي سمير امين الى ان البرجوازية الصينية لا تقل انانية عن البرجوازيات الاخرى، ويضيف جازما ان الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لن تهزم، الا اذا تخلف النظام الصيني عن حفظ حقوق العمال والفلاحين كاملة.
ازاء هذه التحديات وغيرها الكثير، ومنه الاصلاح السياسي و الحق في الحصول على المعلومة وعدم حجبها والحق في التعبير عن الرأي .. هل يكتب للتجربة الصينية النجاح في آخر المطاف؟


لعل هذا واحد من اصعب الاسئلة!


AM:08:26:24/04/2017