«السخرية».. وتأثيرها فينا
هيفاء صفوق
 السخرية هي إحدى الطرائق للتعبير عما يجول داخل النفس والخاطر، وحينما يعجز الإنسان عن التعبير بشكل صريح وواضح يتجه إلى الهمز واللمز بغطاء السخرية، قناعاً يتستر من خلفه.

عرفت بعض الشعوب الكثير من الطرائق التي تعبر فيها عن مشاعرها وعن انفعالها، من خلال السخرية والنكت والهمز واللمز والتشويش والتقليل واحتقار ما لا يرغبون فيه، لكن فقدت في ما بعد هيبتها ووسمت على نفسها وسام اللامبالاة والضعف حتى صدقت ذلك، فكانت كما رسمت الصورة تماماً.

وعندما نتعمق أكثر في مفهوم السخرية، ولا أقصد السخرية الناقدة الأدبية في المسارح أو الفنون، بل قصدت السخرية من بعضنا والسخرية من الأفراد من حولنا، سنلاحظ أن لها جانبين: الأول وهو التعبير عن مشاعر انفعالية غير مرغوب فيها بطريقة ساخرة، وتعد عملية إفراغ وجداني، لكنها عملية وقتية كالانفجار، تدوي ثم تختفي من دون الوصول إلى هدف أو قيمة، بل لها أحياناً انعكاسات سلبية سأذكرها لاحقاً. والجانب الثاني تأثير هذه السخرية في الإفراد ونمط الحياة يكون جداً سلبياً، ما يجعلنا نتساءل: ما هو تأثير هذه السخرية والتقليل من شأن الآخر؟

وهذا - للأسف - ما نشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي عندما تمسك شخصية معينة ويبدأ الغالبية في ممارسة السخرية منها وتحقيرها والتقليل من شأنها، سنجد الجانب الأول حاضراً وبقوة، في عملية تعبير وإفراغ هذا الغضب، لكن سنجد أيضاً الجانب الثاني وتأثيره جداً سلبياً، بحيث يجعل الأفراد يفقدون قيماً ومبادئ أساسية ومهمة في حياتهم، من دون أن يعوا ويدركوا ذلك، لأن تأثير هذه السخرية لا يأتي بين يوم وليلة، بل ستأتي بعد فترة من الزمن، حينما يتعود الأفراد على السخرية والتلفظ السيئ وتحقير الآخرين، وسيكون هذا نمطاً سلوكياً يمتهنه العامة كلها، وستتحول مع الوقت من سخرية الأفراد إلى سخرية من الحياة، وحتى يصلوا إلى السخرية من النفس، وهنا الخطورة بأن تبدأ المشاهدة لها بدونية وتقزيماً واحتقاراً، ويعد نمطاً عاماً لكل أفراد المجتمع، وللأسف نجد السخرية وصلت إلى كل شيء في حياتنا، أكلنا وشربنا وحديثنا ونظرتنا إلى الحياة، وهذا ما يميت القلب ويحطم أي نجاح، لأننا قللنا من قدراتنا وإبداعنا كوننا بشراً يمتلك قدرات ومواهب، وعطلنا روح العزيمة وجلسنا نتباكى بسخرية على الحظ أو الظروف، من هنا لا بد من أن ندرك أن من يسخر من الآخرين حتماً سيأتي يوم يسخر من كل شيء، أولها حياته، ولنتخيل مجتمعاً كاملاً يسخر من نفسه! ماذا بقي إذاً؟

كيف يتطور مجتمع يعاني من الاحتقار والسخرية من ذاته؟ وكيف يستطيع أن يواكب الصعاب والمتغيرات الحياتية السريعة وهو قابع مكانه يصدر الأحكام؟

الذي لا تدركه الغالبية أن العبرة ليست في مضيعة الوقت بالسخرية من هذا وذاك، العبرة أن يجتهد الفرد في تحقيق ما يرغب من علم ونجاح ومثابرة الذي يتطلب الشجاعة في مواجهة الظروف والحاجات، ومعرفة كيفية العيش الصحيح في البحث عنها بطريق العلم والعمل والعزيمة، أو توصيل الرأي بموضوعية أكثر بعيد عن الهجوم والتهجم والتحقير، توصيل ما يرغب به بطريقة واعية تتصف بالاحترام، لأن ذلك يعكس شخصية الفرد نفسه، وهنا شتان بين إهدار الوقت وإهدار النفس في مهاترات لا قيمة لها غير تضييع الوقت.

من يتعود على السخرية وتقليل شأن الآخرين ستجده دوماً يتصيد أخطاء الآخرين ولا يشاهد غير النقص، وسيتحول جهده من تطوير حياته إلى متابعة أخبار الآخرين، فلا استطاع أن يغير الآخرين ولا حاول أن يساعد نفسه!

الفرد يستطيع أن يعبر بطريقة إيجابية وسليمة وبحكمة تؤمن الاستقرار المجتمعي من دون ضجيج وبلبلة وبأسلوب واعٍ مدرك لقيمته وقيمة مجتمعه أيضاً، فيصد الباب على من يحاول أن يتصيد الثغرات. كل مجتمع فيه نقاط قوة ونقاط ضعف، ويظل الإنسان ساعياً وعاملاً ومجتهداً، لكن المهم أن يكون واعياً بقيمة ذاته ونظرته لها، فلا يجعل السخرية وغيرها من السلبيات أن تهضم حقه بجهل أو انفعال أو غضب.


الحياة

AM:02:27:26/04/2017