هل نحتاج إلى «ميثاق شرف» رابع؟
قاسم حسين
خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، وقّع رجال الإعلام والصحافة المحلية على ثلاث نسخ من مواثيق الشرف، بمعدل ميثاق شرفٍ كل خمسة أعوام.

في الوضع الطبيعي، يكفي ميثاق شرفٍ واحدٍ للعمل به لمدة خمسين عاماً، ولكن حين تكون الأجواء غير طبيعية، والابتسامات متصنّعةً، وحفلات التوقيع للبهرجة ودفع التهمة عن الذات، تكون النتيجة أقوالاً دون أفعال، وتوقيعات دون التزامات، وابتسامات تخفي تكشيرات.

تتبعي للمجلات والصحف المحلية يعود لفترة الدراسة الإعدادية، منتصف السبعينيات، كقارئ أولاً قبل أن أعمل بالصحافة لأكثر من عشرين عاماً، ومن هنا أسجّل ملاحظة مهمةً عن إحدى الظواهر التي استجدت على الساحة خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، وهي ظاهرة الإعلان عن العداء للصحف الأخرى، وبشكل منفلت عن كل القيم والأعراف والمواثيق الصحافية.

الكل يمكن أن يتفهّم ما قد ينشأ بين أفراد المهنة الواحدة من حساسيات أو تنافر أو تضارب مصالح، ولكن ليس مقبولاً ذوقاً ولا قانوناً، أن يطالب صاحب صيدلية بإغلاق صيدلية منافِسِه، أو يطالب تاجر إلكترونيات أو مستورد فواكه أو بائع أقمشة أو صاحب مطعم أو وكيل سيارات... بإغلاق محلات منافسيه. ولو طالب أحدهم بذلك لأصبح أضحوكةً بين الناس.

إنه عرفٌ غير مكتوب، يقوم على الأخلاق والتقاليد وقيم المروءة والشهامة، ويتم الالتزام به في كل الأنشطة التجارية والصناعية والاقتصادية، دون حاجةٍ إلى توقيع مواثيق شرف، ما عدا مهنة المتاعب، التي تعاني من هذا الخلل العميق، وتتجدّد حاجتها لتكرار التوقيع على مواثيق شرف كل خمس سنوات!

نحن نتفهّم وجود منافسة بين أصحاب المهنة الواحدة، ربما يصل إلى درجةٍ من التحسس، أو حالةٍ من الحسد لمن ينجح ويسبق سواه، لكن أن يتحوّل ذلك إلى عقدةٍ تدفع إلى المطالبة علناً، وبإلحاحٍ مرَضي، إلى غلق صحيفةٍ منافسة، فهذا ما لم يحصل في تاريخ البحرين منذ انطلاقتها الأولى مطلع الحرب العالمية الأولى.

نعم، كانت تحدث مناوشات بين المجلات في السبعينيات قبل صدور أول صحيفة محلية، ويردّ بعض الكتاب على آراء البعض الآخر، وينتقدون مواقفهم، ولكن لم يحدث أن طالب أحدهم بإغلاق المجلة الأخرى المنافسة، والعمل على استعداء السلطات علانيةً ضد زملاء المهنة وروّاد الكلمة وحملة الرأي. والوشاية والتحريض على زملاء المهنة أسلوبٌ لا يلجأ إليه إلا الفاشل وضعيف الحجة، ممن يعيش في الماضي، ويشعر بأن الزمن تجاوزه فبات في مؤخرة الركب.

إن الحياة قائمةٌ على التطور، والتطوّر لا يصنعه المتشابهون، وإنّما المجتهدون المتنافسون. ووجود طرفٍ مختلفٍ ضرورةٌ ماسةٌ للحياة، سواء كان في عالم السياسة أو الاقتصاد أو الصناعة أو حتى السينما وصناعة الترفيه. فلولا التنافس بين المختلفين لبقينا حتى الآن على أفلام الأسود والأبيض، وكاميرات تحميض الأفلام، و «البيجر» وهاتف «الطابوقة»! فلماذا يصر البعض على أن تكون صحافتنا نسخاً كاربونية مكرّرة، وهل ستزيد قيمتها في هذه الحالة عن قيمة النشرات الإعلانية وأخبار الـ (PR)؟ وهل يدرك هؤلاء فعلاً أن الصحافة الورقية التي يكتبون فيها مهدّدةٌ بالاختفاء خلال خمسة أعوام؟

ثم إن الكثيرين يسألون: ماذا سيفعل دعاة إغلاق صحيفة معينة في اليوم التالي... إذا كان أكثر مقالاتهم مجرد ردودٍ وانفعالاتٍ تجاه ما تطرحه الصحيفة الأخرى؟ وهل سيجدون ما يكتبون عنه في حال اختفت المقالات الأصلية التي تلهمهم على التفكير بالرد؟ وهل سيكون من داعٍ ليستمروا في الكتابة؟ وهل لهم من رسالةٍ أو هدفٍ أو فكرةٍ أخرى في الحياة، غير الانشغال المَرَضي المعيب بالردّ فوراً على الصحيفة الأخرى؟

الاختلاف هو الذي يلقّح الحياة، والتنافس الصحي يدفع بركبها نحو الأمام، ولو انشغل العلماء والمبتكرون وصنّاع الأفلام والأجهزة الذكية بالثرثرة والحسد ومحاربة أصحاب الرأي والعداء لزملائهم والتحريض عليهم، لظلت البشرية تنام في الكهوف وتركب الحمير وتقتات من الأعشاب في الصحراء.


الوسط

AM:03:25:26/04/2017