شعراء الأخبار
د. أزهار صبيح
من المعروف والموثّق تأريخياً إن الصحافة بتجاربها البِكر، تأسّست على أديم الأدب، ونمتْ وازدهرتْ في رحابه، وضمن مناخه. كما أن وجود الصحافة كمهنة، سابق على مأسستها على نحوٍ أكاديمي، بوصفها اختصاصاً علمياً قائماً بذاته، ومتكاملاً في الوقت نفسه مع اختصاصات علوم متاخمة أخرى. فإذ لم تجد الصحافة عند نشأتها، مَن يرفدها بعوامل الوجود وضرورات البقاء، استعانت بأهل الأدب؛ لما يتمتعون به من مهارات، أولها: امتلاكهم ناصية اللغة، وليس آخرها: تميّزهم بطلاقة الفكر والتعبير والكتابة. لذا، كان من الطبيعي أن يكون الأدباء من روائيين ومسرحيين وقصّاصيين فضلاً عن الشعراء، هُم الرواد الأوائل في مَشغل السلطة الرابعة.

 القول هذا، ينطبق على الصحافة عراقياً وعربياً وعالمياً. لكن، ثمة لكن..! تتسم الكتابة الصحفية بأنها ذات طابع مغاير، إذ أنّ لها قواعدها، وأساليبها، واشتراطاتها، وقوالبها الفنية الخاصة، هي تلك التي أُقرّت، بعد أن تواضع عليها ذوو العلم وحاملو لواء التخصص، فعقب مسيرة ليست بالقصيرة من عمر الصحافة، شهدت من الحقب العديد، شكّلت في أغلبها انعطافات مهمة، وبعد أن أصبحت الحدود الدقيقة، فاصلة وواضحة بين العلوم والاختصاصات والمهن، لم يعدّ مسوغاً ـ وإن كان ممكناً ـ أن يستمر أهل الأدب، الشعراء منهم على وجه الخصوص، في إدارة مؤسسات الصحافة، أو التحكّم بمسارات العمل فيها، أو طبيعة المضامين الناتجة عنها، لا سيما وأن العالم يُخبرنا بأن المؤسسات في دول المؤسسات، لا يديرها إلّا ذوو الاختصاص، أولئك الذين يتوافرون أيضاً على خبرات إدارية جديرة بالثقة والإعتبار.

 في واقع الصحافة العراقية الراهن تتمثل المشكلة الأشد وطأة، في تولّي شعراء إدارة بعض "غرف تحرير الأخبار" داخل منظومة المؤسسات الصحفية. وطأة المشكلة تكمن في أن شعراءنا، وبحكم شاعريتهم أولاً، وطبيعة تكوينهم الشخصي ثانياً، كثيراً ما يُقارِبون أحداث الواقع انطلاقاً من حسٍ عاطفي عالٍ، قد يوحي بالاهتمام، لكنّه لا يشيّ بالدّقة أو الجدّية حتى، والمتتبع لمساق عملهم الصحفي، غالباً ما يلحظ انسياقهم المتكرر لأغواءات السبق والحصرية، على حساب قيمة وأولوية المصداقية.

 كما أن تفسيرات مخيالهم الخاص، وانفعالاتهم الوجدانية عادة ما يجدان طريقهما إلى ما ينشرون أو يجيّزون نشره. يأتي هذا، في الوقت الذي يقتضي فيه التصدّي لمشقة العمل الإخباري، اشتغال حاسّة الهجس الصحفي وتفعيلها على أعلى المستويات، فضلاً عن ملامسة الأحداث ـ لا تأويلها ـ بتجرّد شديد، وموضوعية قصوى، وصولاً إلى تغطيتها، والكتابة بشأنها بلغة مسؤولة، ونبرة مدروسة، لا سيما بعد أن أضحى المعيار الحقيقي لتقييم مدى مهنية الصحفي (الإخباري) تحديداً ليس ما يُنشر، بل ما لا يُنشر!

AM:01:29:28/02/2018