الانتخابات وادعاءات النبوة
رافد جبوري
يعتقد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬ان‭ ‬بلدهم‭ ‬بحاجة‭ ‬لمعجزة‭ ‬سماوية‭. ‬فالدوامة‭ ‬التي‭ ‬دخلوا‭ ‬فيها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬الفين‭ ‬وثلاثة‭ ‬تتعمق‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬وتتولد‭ ‬منها‭ ‬وفيها‭ ‬ازمات‭ ‬جديدة‭. ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬اولئك‭ ‬العراقيين‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالمعجزات‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬معولين‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬القادمة‭ ‬ولا‭ ‬ينتظرون‭ ‬منها‭ ‬معجزة‭. ‬فاذا‭ ‬برجل‭ ‬من‭ ‬الناصرية‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬العراق‭ ‬يتقدم‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬ووسط‭ ‬دهشة‭ ‬الجميع‭ ‬ليعلن‭ ‬انه‭ ‬نبي‭ ‬يوحى‭ ‬اليه‭. ‬اسمه‭ ‬ياسر‭ ‬ناصر‭ ‬حسين‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬اعلام‭ ‬محلية‭ ‬وهو‭ ‬يتحدر‭ ‬من‭ ‬قضاء‭ ‬الغراف‭ ‬شمالي‭ ‬محافظة‭ ‬ذي‭ ‬قار‭. ‬لم‭ ‬يتقدم‭ ‬لادعاء‭ ‬النبوة‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬الترشح‭ ‬للانتخابات,‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬قصة‭ ‬هذا‭ ‬المرشح‭ ‬المدعي‭ ‬للنبوة؟‭ ‬وهل‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬؟‭ ‬

عندما‭ ‬يتطلع‭ ‬المرء‭ ‬للصفات‭ ‬والادعاءات‭ ‬والشعارات‭ ‬التي‭ ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬ياسر‭ ‬نفسه‭ ‬يكون‭ ‬رد‭ ‬فعله‭ ‬الاول‭ ‬بان‭ ‬الرجل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬عقله‭. ‬فهو‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه‭ ‬كاية‭ ‬الله‭ ‬و‭ ‬أمين‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬ومؤسس‭ ‬وقائد‭ ‬ونصير‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬نور‭ ‬السموات‭ ‬والارض‭ ‬تلك‭ ‬كلها‭ ‬طبعا‭ ‬كلماته‭. ‬ولكن‭ ‬ربما‭ ‬علينا‭ ‬ان‭ ‬نتمهل,‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يقوله‭ ‬المرشحون‭ ‬الاخرون؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬ادعاه‭ ‬السياسيون‭ ‬الاخرون‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عاقلا‭ ‬ومنطقيا؟‭ ‬

لم‭ ‬يدع‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬العراقيين‭ ‬النبوة‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬ان‭ ‬نشير‭ ‬هنا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬احد‭ ‬المرشحين‭ ‬مؤخرا‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الادعاء‭ ‬بان‭ ‬الناس‭ ‬بدأت‭ ‬بعبادته‭ ‬بسبب‭ ‬سيرته‭ ‬المحمودة‭ ‬بينهم‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬محافظا‭ ‬لاحدى‭ ‬المحافظات‭. ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬العبادة‭ ‬لم‭ ‬توقف‭ ‬عملية‭ ‬اعتقال‭ ‬هذا‭ ‬المرشح‭ ‬وسجنه‭ ‬ثم‭ ‬خروجه‭ ‬وتبرئته‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬لم‭ ‬تتعرض‭ ‬للشرح‭ ‬بطريقة‭ ‬واضحة‭ ‬للجمهور‭ ‬ليستفيد‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬عبرها‭ ‬فيما‭ ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬عملية‭ ‬مكافحة‭ ‬للفساد‭ ‬وتم‭ ‬اجهاضها‭ ‬ام‭ ‬مجرد‭ ‬تنافس‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬السيد‭ ‬المحافظ‭ ‬وخصومه‭ ‬الذين‭ ‬كادوا‭ ‬له‭. ‬

‭ ‬الظاهرة‭ ‬الاعمق‭ ‬على‭ ‬اية‭ ‬حال‭ ‬هي‭ ‬الوصاية‭ ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬الاحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الاسلامية‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬احتكارها‭ ‬للحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬الدينية‭ ‬وطرق‭ ‬ممارستها‭ ‬وقوانين‭ ‬شريعتها‭ ‬وتهديدها‭ ‬لمن‭ ‬يختلف‭ ‬معها‭ ‬بعذاب‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاخرة‭.  ‬هذا‭ ‬طبعا‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذنب‭ ‬ذلك‭ ‬الخصم‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تلك‭ ‬الاحزاب‭ ‬واجنحتها‭ ‬المسلحة‭ ‬لان‭ ‬يتعرض‭ ‬للعذاب‭ ‬او‭ ‬ربما‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬هذا‭. ‬مدعي‭ ‬النبوة‭ ‬ياسر‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬الان‭. ‬ما‭ ‬قام‭ ‬كان‭ ‬ادعاءه‭ ‬بانه‭ ‬تعرض‭ ‬للاعدام‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬شرحا‭ ‬حول‭ ‬تفسير‭ ‬بقاءه‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬رغم‭ ‬موته‭ ‬المزعوم‭ ‬مرتين‭ ‬سابقا‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬ان‭ ‬ياسر‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ان‭ ‬الطريق‭ ‬الي‭ ‬الامتيازات‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬ادعاء‭ ‬الاضطهاد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭,‬‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬سوى‭ ‬ان‭ ‬زاد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ادعاءه‭ ‬للموت‭. ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬منطقيا‭ ‬ولا‭ ‬معقولا‭ ‬ولكن‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬معقولة‭ ‬ومنطقية‭ ‬الامتيازات‭ ‬التي‭ ‬تمتع‭ ‬ويتمتع‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬ادعوا‭ ‬التعرض‭ ‬للظلم‭ ‬والاضطهاد‭ ‬سابقا‭ ‬وخصوصا‭ ‬اولئك‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لانفسهم‭ ‬مكافأت‭ ‬الخدمة‭ ‬الجهادية‭ ‬في‭ ‬قوانين‭ ‬شهيرة‭ ‬شرعها‭ ‬البرلمان‭ ‬العراقي‭ ‬مكرسا‭ ‬امتيازات‭ ‬مادية‭ ‬ومرتبات‭ ‬دائمة‭. ‬وهنا‭ ‬ايضا‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬المصطلح‭ ‬الاسلامي‭ ‬الجهاد‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬اسباغ‭ ‬القدسية‭ ‬على‭ ‬جني‭ ‬المنافع‭ ‬المادية‭.  ‬

ثبات‭ ‬ياسر‭ ‬واصراره‭ ‬على‭ ‬ادعاءاته‭ ‬حينما‭ ‬تم‭ ‬القاء‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬تزيد‭ ‬الحيرة‭ ‬من‭ ‬امره‭ ‬والشك‭ ‬فيه‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تحسم‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬مختلا‭ ‬عقليا‭ ‬ام‭ ‬محتالا‭ ‬اراد‭ ‬ان‭ ‬يمضي‭ ‬الى‭ ‬مدى‭ ‬ابعد‭ ‬مما‭ ‬مضى‭ ‬فيه‭ ‬الاخرون‭ ‬مستغلا‭ ‬موسم‭ ‬الانتخابات‭ ‬وطامعا‭ ‬فيما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬بعدها‭. ‬لكن‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬ذي‭ ‬قار‭ ‬كان‭ ‬مثيرا‭ ‬للاهتمام‭. ‬فياسر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬معتوه‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم,‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬محتال‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬السلطات‭ ‬تقول‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬مرشحا‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬وان‭ ‬الموضوع‭ ‬كله‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كذبة‭ ‬او‭ ‬وهما‭ ‬اخترعه‭ ‬ياسر‭ ‬وصدقه‭. ‬اتهمت‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬مدعي‭ ‬النبوة‭ ‬ياسر‭ ‬ناصر‭ ‬حسين‭ ‬بان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬هدفه‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬الرسالة‭ ‬الانتخابية‭ ‬بدوافع‭ ‬خارجية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬تلميح‭ ‬واضح‭ ‬لوجود‭ ‬تامر‭ ‬او‭ ‬مؤامرة‭ ‬ضد‭ ‬الرسالة‭ ‬الانتخابية,‭ ‬وهنا‭ ‬ايضا‭ ‬استخدام‭ ‬لمصطلح‭ ‬يبدو‭ ‬مقدسا‭ ‬هو‭ ‬الرسالة‭ ‬وهذا‭ ‬امر‭ ‬غير‭ ‬مثبت‭. ‬فالانتخابات‭ ‬حق‭ ‬للمواطنين‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬واجبا‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬راي‭ ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬باتفاق‭ ‬كبير‭. ‬فلمن‭ ‬يدعو‭ ‬للمقاطعة‭ ‬على‭ ‬قلتهم‭ ‬وعدم‭ ‬طرحهم‭ ‬للبديل‭ ‬منطق‭ ‬يستندون‭ ‬اليه‭ ‬وشواهد‭ ‬واقعية‭ ‬عن‭ ‬انتخابات‭ ‬عراقية‭ ‬سابقة‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬الى‭ ‬تحسن‭ ‬الاحوال‭. ‬

ربما‭ ‬تكون‭ ‬قضية‭ ‬مدعي‭ ‬النبوة‭ ‬ياسر‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬باعتقاله‭. ‬وربما‭ ‬ينتهي‭ ‬المطاف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مسشفى‭ ‬للامراض‭ ‬العقلية‭ ‬او‭ ‬قد‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬حياته‭ ‬محولا‭ ‬ادعاته‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬السياسية‭. ‬قال‭ ‬قولته‭ ‬ووضع‭ ‬بصمة‭ ‬متواضعة‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬انتخابي‭ ‬مزدحم‭ ‬ليذكر‭ ‬بان‭ ‬لاحدود‭ ‬للامعقول‭ ‬ولعدم‭ ‬المنطق‭.‬‭  ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬ترينا‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬كثيرين‭ ‬استنكروا‭ ‬على‭ ‬ياسر‭ ‬ما‭ ‬ادعاه‭ ‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يستنكرون‭ ‬تجاوزات‭ ‬اكبر‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭ ‬ومصائرهم‭ ‬يرتكبها‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬اقوى‭ ‬من‭ ‬ياسر‭ ‬بكثير‭. ‬

الزمان 

AM:01:20:29/04/2018