عالم الأوهام
فريال حسين

تتشكل المعتقدات الإنسانية من خلال الإدراك، لكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الأوهام التي لا أساس لها من الصحة يمكن أن تقلب المعادلة، وتؤلف الإدراك الفعلي.

وقد توصلت الأبحاث إلى أن الأشخاص المعرضين لتكوين أوهام قد لا يميزون بشكل صحيح بين مدخلات حسية مختلفة، وقد يعتمدون على هذه الأوهام لفهم الحقائق وتفسيرها.

تقول الدكتورة كاتارينا شماك، وهي طبيبة نفسية في جامعة شاريتيه في برلين في ألمانيا: "قد لا تسهم اكتشافاتنا في فهم الاضطرابات الذهانية فحسب، بل تساعد أيضاً على توضيح المبادئ العامة للمعتقدات”.
أما عالم الأعصاب الأمريكي فيل كوريت من جامعة ييل فيقول: "المعتقدات تتشكل من أجل الحد من دهشتنا بشأن العالم، وتوقعاتنا تتجاوز ما نراه بالفعل”.

وتشمل الأوهام النموذجية أفكاراً كثيرة تتصل أغلبها بجنون العظمة وتضخيم الذات، حيث تختفي الحدود الفاصلة بين ما هو اعتقاد خاطئ بشكل واضح وبين ما هو حقيقة صارخة، وتصبح السمة الرئيسية للأشخاص الموهومين هي درجة اقتناعهم العالية بصحتها.

يمكن للمصابين بجنون العظمة أن يستمروا في الاختلاط الاجتماعي، وأن يعملوا بشكل طبيعي، بغض النظر عن موضوع وهمهم، ولا يتصرفون بطريقة غريبة أو بعيدة عن الواقع، ولكم أن تنظروا إلى العديد من السياسيين والفنانين والكتاب والصحفيين والشخصيات العامة الذين يعتقدون أنهم الأهم والأكبر والأقوى والأذكى على الإطلاق.

وفي المقابل، يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يتغير إحساسهم بالواقع، فلا يعودون قادرين على معرفة ما هو حقيقي وما هو ليس كذلك.

لا أبالغ، ولا أريد أن أظلم أحداً، وأدرك الفرق بين الشخص الذي تتملكه أوهام العظمة وبين الشخص العظيم عن جدارة واستحقاق، تماماً كما أدرك الفرق بين من يعتقد أنه يستطيع الطيران وبين الطيار الذي يمخر بطائرته عنان السماء.

العالم يتغير، وكثير من المفاهيم التي كانت ثابتة أو كان لها مفعول الثبات تتغير باستمرار، ونحن البشر نتغير أيضاً، لكن وحده الغارق في بحر الأوهام لا يتغير، ولا يريد أن يرى التغيير حتى مع الأدلة الدامغة.

أقرأ وأسمع والتقي أحياناُ بأشخاص يتحدثون بجرأة عن مواهبهم المتفردة، عن قدراتهم الاستثنائية، عن شهرتهم التي طبقت الآفاق، عن تاريخهم وأدوارهم وانجازاتهم، وقد تتحول الجرأة إلى تبجح عندما يبلغ الوهم بصاحبه حد الافتتان بجسده فيرى نفسه الأجمل على سطح الكرة الأرضية.

هؤلاء باعتراف العلم مرضى، والمشكلة، انهم لا يعترفون بمرضهم لأنهم لا يريدون مغادرة عالم الأوهام، كل ما يمكننا فعله هو أن نساعدهم عاطفياً، ونبذل قصارى جهدنا لتهدئة نفوسهم حتى لا يذهبون بعيداً في أوهامهم فيعتقدون أن صورهم مطبوعة على القمر.

الصباح الجديد


AM:02:16:18/07/2018