حول الكارثة البيئية والصحية في محافظة البصرة
الدكتورة جيهان بابان

تناقلت وكالات الأنباء العراقية والعالمية خبر إصابة آلاف المواطنين فِي البصرة بإصابات مرضية معوية واسهال شديد والذي تطلب تداخل طبي وعلاجي . ولمن يتابع شؤون البيئة في العراق بشكل عام والبصرة بشكل خاص لن يفاجأ، لأن أبسط تقييم لمخاطر تلوث المياه وتأثيرها في صحة المواطن العراقي يؤدي لاستنتاج أن العراق على شفا كارثة بيئية وصحية واذا كان السبب الماء الْيَوْمَ فتلوث الهواء والتربة يهدد أيضاً بتبعات صحية أخرى مقبلة .

والاسباب عديدة و معروفة لأغلب المتابعين سواء بجانبها الإقليمي النابعة من سياسات تركيا و ايران أو التأثير المباشر للتغير المناخي الذي من مظاهره درجات الحرارة العالية وقلة الأمطار وزيادة التبخر، اضافة الى ضعف كفاءة الأجهزة المكلفة بتنفيذ ومتابعة و ضمان جودة المياه الصالحة للشرب وفشلها في إدارة فعالة لهذا الملف الحيوي والمهم والتي نتيجتها هدر مئات المليارات من الدولارات المخصصة للموارد المائية والإدارات المحلية ولوزارات الزراعة والصحة والبيئة ومنذ ٢٠٠٣ نتيجة ضعف الرقابة والإشراف والمتابعة و أيضاً بسبب الفساد المتمثل بالمشاريع الوهمية أو التي لم تنفذ الا جزئياً و تركت و التي انعكست أيضاً على الموارد المائية كمّاً ونوعاً سواء في تدني الخزين الفعلي و ازدياد الملوحة خاصة في شط العرب و التجاوزات المستمرة على الأنهر و الهدر العام نتيجة قدم شبكات الاسالة و انعدام الصيانة . 

أما على صعيد ردود الفعل الرسمية فقد شابها في البداية عدم الدقة والوضوح على المعالجات الممكنة لإيقاف هذه الأزمة الصحية والبيئية و تبادل الاتهامات و اللوم بين وزارات الموارد المائية و الصحة و البيئة و البلديات و مجلس المحافظة و الحكومة الاتحادية وضبابية المعالجات الممكنة. ومما لاشك فيه هو صواب قرار تشكيل خلية الأزمة لمتابعة الخطط و الإجراءات و التنفيذ الفعلي والتنسيق بين الوزارات و الجهات ذات العلاقة. و لكن تعددها اذا استمرت بإعطائها مسميات مختلفة تشكّل عائقاً امام الاستجابة الصحيحة الآنية والمتوسطة المدى. و يجب أن تتمتع بصلاحيات تشرف وتتابع وتراقب التنفيذ و بمشاركة فعلية من مجلس المحافظة. العائق الآخر هو التباين في أولويات الحلول، فهناك من يرى أن نهر البدعة و الاستخدام الجيد لأحواض التخزين هو الحل، وآخر يريد زيادة الاطلاقات المائية لدفع اللسان الملحي في شط العرب، و ثالث يطالب بإقامة محطات تحلية للمياه على البحر او على 

شط العرب أو إقامة سد في أم الرصاص وآراء أخرى عديدة. ويلاحظ أن البعض قد استخدم الأزمة لاعتبارات سياسية . أما الاولويات في تقديرنا هي ما يلي:
أولاً: معالجة التبعات الصحية للتلوث و توفير الأدوية و المستلزمات الطبية الضرورية و دعم الجهد و الخدمات التي تقدمها رئاسة صحة البصرة ومن ضمنها دعم مالي مناسب لتخطي هذه الأزمة.
ثانياً: متطلبات إيصال الماء الصالح للشرب للأهالي وبالطرق المختلقة وحسب مناطق تمركز التلوث واستخدام آليات صالحة وغير ملوثة. 

ثالثاً: ان تعقد خلية الازمة المختصة اجتماعاً موسعاً تدعوا له خبراء في المياه و الصحة و البيئة كورشة عمل للاتفاق على الخطوات العملية و الفنية المطلوبة و الممكنة في سياق التوقيتات و تخرج بخطة عمل واقعية مع تحديد ما يلزم من موارد بشرية مالية .

رابعاً: إقامة مختبرات متخصصة بأجهزة حديثة قادرة على كشف كافة انواع التلوث الكيمياوي والبيولوجي ورسم خارطة لمدينة البصرة لتوصيف مناطق تمركز التلوث . 

خامساً: أن يقوم مجلس المحافظة بدوره بالإشراف و متابعة التنفيذ و تحت رقابة الحكومة الاتحادية و بالتنسيق مع خلية الازمة و ضمان أن لا يمتد الفساد الى العقود باستثناء كل الشركات الفاشلة و المتلكئة أو غير الرصينة أو المتورطة في الفساد خاصة في تجديد شبكة الاسالة أو تحسين البنية التحتية لمياه الصرف الصحي أو تنقية المياه وباتباع طرق عصرية حديثة ومعالجة مياه الصرف الصحي و الماء القادم وإقامة شبكة من مشاريع تحلية المياه . 

سادساً: إعداد تقارير دورية علنية و بشفافية حول سير الإجراءات التنفيذية.
سابعاً: القيام بحملة إعلامية مكثفة وتسخير جميع المنابر الإعلامية و المؤسسات الثقافية و الدينية لتوعية المواطن العراقي في اتباع إجراءات السلامة الصحية وعدم هدر المياه. 
ثامناً: تخصيص محكمة محلية متخصصة بقضايا البيئة والتجاوزات عليها و اتخاذ أقصى العقوبات بالمتجاوزين والمخالفين .

تاسعاً: من تجربة الحرب ضد الاٍرهاب و تقييمات مؤتمرات جمعيتنا العلمية الأربعة التي عقدت في لندن، فإن داعش وحلفاءه تستخدم تخريب البيئة كأحد أهدافها، و كما نشاهد الْيَوْمَ استهداف محطات ومحولات الكهرباء، فليس من المستبعد أن تستخدم المياه كسلاح. وعليه فالأجهزة الأمنية مدعوة لتنشيط جهدها الاستخباراتي و متابعة و معاقبة المخربين حسب القانون .

عاشراً: أن تقوم مجالس المحافظات في العراق بإجراء تقييم لوضع المياه و مستويات التلوث وعلى أساس علني رصين وبمشاركة الجهات ذات العلاقة كافة، ورسم خطة عملية لمنع تكرار كارثة البصرة في محافظات أخرى.

حادي عشر: تشكيل هيئة مركزية خاصة بتلوث المياه في وزارة الصحة و البيئة مهمتها جمع المعلومات والخطط من المحافظات وتوحيدها في تقرير علني حول واقع المياه في العراق. 

ثاني عشر: تفعيل العلاقة مع مشروع حماية البيئة في الأمم المتحدة و منظمة الصحة العالمية و غيرها من المنظمات الدولية و أيضاً مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة في داخل العراق وخارجه . 

و لابد أيضاً أن نشيد بروح التضامن التي أبداها أهالي بعض المحافظات العراقية كحملة إرسال مياه الشرب النقية وستتوالى استجابات المدن الأخرى لدعم البصرة واَهلها الكرام وأيضاً القطاع الخاص كشركة بايونير بتزويد البصرة بالأدوية والعلاجات الطبية وجميع هذه المبادرات هي انعكاس لروح المواطنة العراقية واكثر نضجاً من بعض المسؤولين الذين في محاولة التهرب من المسؤولية عبر رفع شعارات استفزازية تحريضية ضد محافظات أخرى بحجة الحرص على أهل البصرة.

•أستاذة و خبيرة بيئية ورئيسة جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة



المدى 

AM:04:10:10/09/2018