لغة الخطاب يا أولي الألباب
ساعد الثبيتي


عملية التواصل توجّه تفاعل الآخرين مع المتحدث، فاختيار أسلوب ولغة الخطاب تحدّد موقف الطرف الآخر واستجابته للمواقف، وهي توجّه فهم وإدراك الآخرين لحقيقة المعنى بين المرسل والمستقبل، والمتحدث يعد أساس محور إنتاج الخطاب ومحرّض عملية التواصل وديمومتها مع الطرف الآخر، وتتنوع لغة التخاطب تبعاً لتنوع الطرائق وتغير السياق المحيط، فخطاب الكراهية لا يُولّد إلا عداءً وقتلاً وتدميراً، وخطاب التعالي لا يمكن أن يعزز الثقة بين طرفي المعادلة في عملية التخاطب.


والحديث عن لغة الخطاب ليس حديثاً عن ثقافة مجتمعية أو معرفة مكتسبة، بل مسؤولية مجتمعية ودولية؛ فاللغة عموماً صيرورة اجتماعية تتحكم في التحول النوعي في فكر المجتمعات من منطلق أن الوظيفة الأساسية للغة هي «التواصل» لإيصال المعنى وتوجيهه نحو محددات معينة، ولسلطة لغة الخطاب نفوذ لا يستهان به يؤثر في التوجهات المختلفة، وجميع المؤثرات الداخلية والخارجية على الكيان المجتمعي.

كثيرٌ من الحوادث والتصرفات الإجرامية على مستوى العالم تنشأ من لغة محرضة تبث سموم الكراهية في المجتمعات، فمثلا الحادثة الإجرامية التي شهدها مسجدا كرايست تشيرتش في نيوزلاندا الجمعة الماضي لم تكن حادثة عرضية لأشخاص معتلين نفسياً، بل حادثة مخطط لها من قبل مجموعة إرهابيين متطرفين تشرّبوا خطابات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وهي حادثة وصفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في رسالة للعالم بأنها مجزرة شنيعة وعمل إرهابي وتؤكد مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب التي لا تقرها الأديان ولا قيم التعايش بين الشعوب.

وقد هبّ العالم بأسره لتسجيل موقف رافض لهذه الأعمال الإرهابية التي يقف وراءها متطرفون يبثون خطاب الكراهية والإرهاب، وحتى لا يتصدر هذا الخطاب المشهد ينبغي أن يكون هناك خطاب إسلامي مضاد ومواز في القوة يهدف إلى نشر ثقافة التسامح وإظهار سماحة الدين الإسلامي وأنه ليس كما يصوره المتطرفون.

من عهدة الراوي:

كلما كانت لغة الخطاب متّزنة كان تفاعل الطرف الآخر إيجابياً، ومن الطرائف التي يتداولها الرواة عن أثر لغة الخطاب على الطرفين، قصة أحد تجار العراق في زمن مضى يُقال انه صادف مجنوناً وسأله بلغة متزنة عن المتاع الذي يريد التاجر أن يحتكره ليحقق له الربح، فرد عليه المجنون وقال: إنْ أردتَ الربح فاشتر حديداً وفحماً؛ فاشترى التاجر حديداً وفحماً وأودعهما في المخزن لمدّة من الزمن، ولمّا احتاج إلى ثمنهما، وكان قد ارتفع سعرهما، باعهما وربح كثيراً، وفي المرة الثانية صادف التاجر المجنون وسأله ولكن هذه المرة بلغة متعالية، قائلاً: يا مجنون ما الذي اشتريه وأحتكره ليعود عليّ بالربح هذه المرة؟ فقال المجنون: «عليك بالثوم والبصل» فانطلق التاجر واشترى الثوم والبصل بكل ما يملك من أموال ووضعها في مخازنه، وبعد أشهر جاء التاجر وفتح أبواب المخزن فوجد الثوم والبصل قد فسدا، وأدرك أن عليه التخلص من هذه البضاعة، وامتعض من المجنون وقال له: بم أشرتَ علي؟ فقال: لقد استشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء فأشرتُ عليك بما يشيرون، لكنك لمّا استشرتني ثانياً خاطبتني بخطاب المجانين فأشرتُ عليك بمشورتهم.

الحياة


AM:04:30:18/03/2019