«تمكين النساء وتعطيل الرجال»!
هالة القحطاني

استخدمت وزارة العمل ديباجة «تمكيناً لعمل المرأة، وحفاظاً على كرامتها» لتطلق بـ «تفخيم» مبالغ فيه مبادرة التنظيم الموحد لـ «بيئة عمل المرأة»، والتي تتطلب توفير بيئة عمل جاذبة لتعزيز وجودها واستمراريتها في مختلف أنشطة السوق، لأنها قد تكون المنقذ الوحيد الذي يستطيع خفض معايير البطالة، وربما «طوق نجاة» للوزير والوزارة التي لم تنجح حتى الآن في التعامل بتوازن وحكمة مع احتياجات جميع أفراد المجتمع بما يتناسب مع عمليات التحول وأهداف الرؤية.


وشدد التنظيم على ضوابط عدة خرجت في «إنفوجرافيك» ملون ومرتب، تم تسويقه بكثافة على وسائل التواصل في محاولة أتت على استحياء للسيطرة على خرق الأنظمة الذي حدث أخيراً، ولم يتبع ذلك التشديد إدراج أي عواقب قد تواجه المحال والمنشآت التي لا تذعن لتلك الضوابط، والتي منها: أهمية التزام صاحب العمل بتهيئة بيئة عمل مناسبة تضمن الخصوصية التي تحتاجها كل النساء في أماكن العمل، مثل توفر مصلّى ومكان مناسب لفترات الاستراحة، فإذا وقف أي شخص على بيئة عمل جذابة ومناسبة لعمل المرأة في محال السجاد ومواد البناء وصيانة السيارات، ليتقدم ويشرح لنا تلك المميزات كي نتناولها كممارسة نموذجية لتطبق في جميع قطاعات الأعمال!

ومن ضمن الأنظمة غير الواقعية: توفير حراسة للعاملات، فبدلاً من طلب حراسة لكل محل يوظف امرأة كان من المفترض أن تحرص الوزارة على توظيف الشباب في تلك المحال، والاكتفاء بتوظيف الفتيات في المجمعات التجارية والشركات والمؤسسات التي تحوي عدداً كبيراً من العمال والموظفين.

ثم كيف يتوقع المسؤول في العمل أن يوفر محل واحد للسجاد في منطقة مثل أسواق الثقبة الشعبية (المنطقة الشرقية) موظف حراسة أمنية ومكان استراحة للصلاة لامرأة واحدة، تجلس طوال النهار والليل أمام واجهة المحل كعدد دون أن تحرك ساكناً، بينما يعمل بحرية حولها أكثر من أربعة عمال أفغان وثلاثة باكستانيين يزورهم زملاؤهم من المحال المجاورة لتناول الشاي معاً، فما النقطة التي رأت فيها وزارة العمل جزئية «حفظ الكرامة» بالتحديد!

بدأت مثل تلك الفوضى تشق طريقها حين تم إطلاق تصريحات تعدّ من صلاحيات الوزير بمفرده، لتبرر عمل المرأة في مهن كانت محظورة عليها في الأسواق الصناعية لخشونتها وضررها بعد أن كانت في نقاط ومهن محددة، لتفتح تلك التصريحات ساحة للعبث، فكثرت عمليات الغش والالتواء والتلفيق، فأخرجوها من المجمعات التجارية المؤمّنة إلى محال السباكة والنجارة والحديد والبناء، وأصبح كل محل تفرض عليه «العمل» التوطين تتم عملية أشبه بالمقايضة، فتسجل المرأة مقابل رجلين، وهذا ما أكده العديد من عمال تلك المحال أن هذا فرض من وزارة العمل، ليرتفع بذلك عدد النساء العاملات ويتم الإيحاء بانخفاض نسب البطالة، أليس هذا تلاعباً في أرقام رسمية؟!

والمتابع لقضية البطالة سيفهم ماذا أعني، إذ إنه بعد الاطلاع على التقرير الأخير لهيئة الإحصاء، للربع الرابع من ٢٠١٨، والذي سجل أن القوى العاملة في المملكة وصلت إلى ١٢ مليوناً و٥٤٠ ألفاً، وأن إجمالي العاملين السعوديين ٣ ملايين و1.011 ألف، مثّل الذكور بينهم مليونين والإناث مليوناً، بينما وصل عدد العاملين غير السعوديين إلى 9.4 مليون، وفي مفارقة غير مقنعة ذكر التقرير أن الباحثين عن عمل ٩٧٠ ألفاً فقط! وهذا العدد يبين حجم التناقض أو الخلل في معادلة الرصد، كما أن الباحث عن عمل، أصبح لا يثق في أرقام «العمل» ولا النسب المعلنة، خاصة بعد غياب عملية تمكين الشباب وتغييبهم من العمل في تلك المحال، ونحن نتحدث هنا عن الشباب والفتيات حملة الشهادات غير الجامعية.

في أول شهرين من هذا العام، أعلنت وزارة العمل توظيف ١٥٠٠ عامل وعاملة في قطاع الاتصالات والتقنية، وكأن هذا التوظيف سيخفض نسبة البطالة من 12.7 إلى 12.6، ولم تتطرق الوزارة إلى الآن عن مصير الخمسة آلاف عامل والـ٣٥٠ مهندساً الذين تم فصلهم من شركة جازان للصناعات بحجة انتهاء عقودهم، كما لم يصرح الوزير الذي وعدهم بالوقوف شخصياً على قضيتهم ماذا فعل إلى الآن، وهل كان يفكر كيف يعيشون، ومن أين ينفقون، وما حال أسرهم وأبنائهم؟!

ولم تلتفت «العمل» أيضاً إلى قضية مفصولي شركة المياه الذين تم استبدالهم بغير السعوديين!

فأي استراتيجية للتوطين لا تحمي العمال والموظفين في بلدهم تعد استراتيجية فاشلة، هذا إن فرضنا أن هناك واحدة من الأساس.

السادة في وزارة العمل، في أعناقكم وصية لسيد المرسلين أن «تستوصوا بهن خيراً»، فواجب عليكم إكرام المرأة في وظائف مناسبة وبرواتب محترمة، ومن باب المروءة يجب إيقاف هذا الاستغلال الذي يمارس من الجهتين؛ من جهة الوزارة للتباهي ولسد مآرب أصحاب العمل الشخصية، فلن تستطيعوا وهم المجتمع بأن خططكم نجحت، خاصة حين يتركز هذا التمكين الخادع والفاشل بتعطيل فرص الشباب في الجهة المقابلة، ولتعلموا ما أن تنتهي فترة الرصد وطباعة الأعداد في التقارير، ستعود فوضى التسريح والفصل مجدداً، لغياب القرارات الجذرية والمُحكمة التي تعي أن استمرارية تأمين حياة كريمة للإنسان تنبع من مبدأ الحفاظ على مستقبل حياته الوظيفية، أما مبدأ الاهتمام بتكملة العدد الذي يُرفع في التقارير فلن يضمن مستقبل المسؤول في الوزارة.

الحياة 

AM:06:18:10/04/2019