شتاء مُلتهب يداهم كل ركن في العالم
رشمي روشان لال



توزع الحركات الاحتجاجية نفس القضايا والمطالب في دول كثيرة من العالم، ما يؤكّد أن مفهوم الربيع العربي بات موجودا في كل مكان على مدار السنة.




تملأ الحركات الاحتجاجية شوارع العراق ولبنان ومصر وتشيلي وبوليفيا والإكوادور وهونغ كونغ وهايتي وإسبانيا وفرنسا. لا تعدّ هذه القائمة كاملة، إذ تظهر التحركات حول العالم في شاشات التلفزيون والتغريدات على موقع تويتر.


من جهة، يمكن أن نعتبر تكرر نفس القضايا في أنحاء مختلفة من العالم أمرا مطمئنا، إذ يبدو “الربيع العربي” موجودا في كل مكان على مدار السنة.


امتدت ظاهرة “الشارع العربي” الأسطورية، كما وصفها محللون غربيون للتعبير عن المشاعر السلبية التي تطغى على الرأي العام، عبر العديد من الدول التي لا تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.


يشغل جوناثان شانزر، الذي كان محللا لشؤون تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية، منصب النائب الأول لرئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وقد كتب أن الشارع العربي لم يعد مجرد ظاهرة في مكان واحد. لذلك، يمكن للمرء أن يستنتج أنّ الشارع العربي الافتراضي أصبح موجودا في أوروبا وشرق آسيا وأميركا الجنوبية، أين زعزعت المشاعر العامة السلبية الساحة السياسية.


تمكّن المحتجون من فرض بعض التغييرات، إذ استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وقدّم الرئيس العراقي برهم صالح مسودة قانون جديد للانتخابات يأخذ مصالح الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد بعين الاعتبار


فاقم غياب المساواة الاقتصادية الغضب الشعبي في العراق ولبنان وتشيلي، واشتعلت التحركات المتشابهة استجابة لعوامل مختلفة لا تتجاوز كل واحدة منها البلاد التي انطلقت الاحتجاجات داخلها. ويمكن أن نحدد قاسما مشتركا بين المناطق المشتعلة رغم هذه الاختلافات، فعلى سبيل المثال، يشترك كل من العراق ولبنان مع هايتي في مشاعر الغضب التي غذّتها سنوات من سوء الحكم والفساد داخل الهيكل السياسي.


تبدو الاحتجاجات المنتشرة في جل أنحاء العالم اليوم مثيرة للاهتمام، إذ تشترك في افتقارها للتنظيم والقيادة الواضحين. تأخذ التجمعات ذات الأحجام المختلفة والشدة المتفاوتة أشكالا عشوائية. في بعض الأحيان، كما نلاحظ في لبنان والعراق، يغني المحتجون ويرقصون على أغاني الأطفال مثل “بيبي شارك” بدلا من النشيد الثوري.


وبدأت هذه الموجة عندما قرر محتجون غناء هذا المقطع الشهير لتهدئة طفل صغير حوصرت سيارة أمه وسط مظاهرة صاخبة وسط العاصمة اللبنانية بيروت.


وتبقى جل الأهداف التي تغذي التحركات واضحة، باستثناء تلك التي يطالب المحتجون بها في بوليفيا وإسبانيا وربما مصر. ففي بوليفيا، نتجت الاضطرابات عن فوز الرئيس إيفو موراليس بولاية رابعة بعد أن اتخذت المحكمة قرارا بإلغاء السقف المحدد لعدد الفترات الرئاسية.


وأكد البعض أن موراليس فاز إثر تزوير الانتخابات، كما قالت منظمة الدول الأميركية التي راقبت الانتخابات إنها وجدت أدلة على التلاعب بالبيانات، مما يجعلها غير قادرة على التصديق على نتائج الاقتراع. وفي خطاب تلفزيوني، أعلن موراليس استقالته من منصبه. كما استقال نائبه الفارو غارسيا لنيرا، ورئيس مجلس الشيوخ أدريانا سالفاتيرا. وخرج المتظاهرون إلى الشوارع للاحتفال بما حققوه.


في مدينة برشلونة الإسبانية، خرج المتظاهرون إلى الشوارع بعد أن أصدرت المحكمة العليا في إسبانيا أحكاما بسجن تسعة من قياديي حركة الانفصال في كتالونيا لدورهم في محاولة الانفصال عن إسبانيا سنة 2017. وركزت الاحتجاجات في مصر على آفة الفساد بعد أن نشر رجل أعمال مقاطع فيديو على يوتيوب من منفاه الذاتي في أوروبا، حيث زعم تبديد الأموال العامة ودعا المصريين إلى تحرير بلدهم عبر الإطاحة برئيسهم عبدالفتاح السيسي.


يغيب هذا الوضوح في كل من العراق ولبنان (أو حتى في تشيلي وهونغ كونغ وهايتي وفرنسا). حيث قال أحد المحتجين اللبنانيين لهيئة الإذاعة البريطانية، في إشارة إلى الرسوم اليومية التي ألغيت بعد أن أعلن وزير الإعلام اللبناني جمال الجراح عن موافقة الحكومة على فرضها على الاتصالات الصوتية التي تمر عبر تطبيق “واتساب” والتطبيقات الأخرى المماثلة “نحن لسنا هنا بسبب واتساب. نحن هنا بسبب كل ما يحدث”.


قدّم المتظاهر العراقي، حيدر جلال، البالغ من العمر 21 عاما بيانا يفصّل فيه التغيير الذي قد يعتبره مقبولا. وقال “آمل أن أشهد التخلص من جميع الأحزاب التي شاركت في العملية السياسية من سنة 2003 إلى اليوم”.


ماذا يحدث ولماذا؟ قال مايكل هيني، وهو باحث في كلية العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة غلاسكو “ازدادت الاحتجاجات وازدادت التغطية التي تنقلها، مما يعني أن المتابعين أصبحوا يعرفون أكثر. ويشارك العديد من المتصلين بالإنترنت المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتواصلون مع بعضهم البعض بشأن الاحتجاجات”.


هل يعني هذا أن احتجاجات العراق اندلعت تقليدا لخطى لبنان القريب؟ وأن لبنان قلّد ما سمع عنه في هونغ كونغ التي اندلعت الاحتجاجات فيها قبل خمسة أشهر؟ قد يكون التقليد عنصرا مهمّا في انتشار التحركات حول العالم، إذ تبدو الصور والفيديوهات التي تنقل مختلف الاحتجاجات متشابهة.


لا يقلل هذا من الاحتجاجات التي بدأت كتقليد للتحركات الأخرى. ولكنها قد تتسبب في مشاكل تعيق أهداف الناشطين. فكلما تم تطبيع الاحتجاجات، بدت روتينية أكثر مما يجعلها أقل تهديدا للسلطات.


تمكّن المحتجون من فرض بعض التغييرات، إذ استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وقدّم الرئيس العراقي برهم صالح مسودة قانون جديد للانتخابات يأخذ مصالح الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد بعين الاعتبار. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، تبقى الاحتجاجات غير قادرة على فرض إصلاح شامل أو رؤية واضحة للمستقبل الذي يحلم به المتظاهرون.
AM:02:04:16/11/2019