عن تظاهرات الأول من تشرين
سليم سوزه

ليست أول تظاهرة عراقية ولن تكون الأخيرة التي تُتَهم بتبعيتها لهذه الجهة أو تلك. نحن أمام مشهد يتكرر باستمرار. "رغد صدام حسين" تقود التظاهرات،


 وبقايا البعثيين يروجون للفوضى. سفارات غربية تدعم المتظاهرين وجهات خارجية تحرّض على التخريب. هذه نماذج منتخبة من الإتهامات التي توجه دائماً للمتظاهرين العراقيين. إنها نماذج يستريح خلفها عقل نائم على فرضية المؤامرة، ليس لأنه لا يعرف، بل لأنه يريدها هكذا لأسباب متعددة، من بينها الطائفية والوظيفة وشعور الراحة النفسية بالإمتياز الإجتماعي والمكانة الطبقية. 


وبالحديث عن تظاهرات العراقيين الأخيرة، تظاهرات الأول من تشرين، هناك أيضاً مَن يبرر وقوفه ضدها بذريعة سهلة وناعمة أنها بلا هدف ولا تنظيم ولا قيادة. قد تكون كذلك فعلاً، ولكن الأهم فيها (وفي أي مظاهرة شعبية) هو معناها، والمعنى في هذه التظاهرات كبير جداً، وهو الأهم في أي حراك مجتمعي. 


ذلك المعنى الذي يقلب معادلات التوازن في الشارع ويؤسس لوعي جمعي صارت كل الأحزاب السياسية تحسب حسابه، حتى تلك التي احتكرت حراك "ميدان التحرير" لسنين طويلة نتيجة عمامتها أو فصيلها المسلح. المعنى الذي يقول لنا ان الشارع العراقي اليوم وصل الى أقصى لحظات النضج، وهي اللحظة التي يخرج فيها مندداً بسلطته دون الحاجة الى رجل دين ولا سياسي ولا نخبة مثقفة متصدية ولا حتى إيديولوجيا محفّزة، بل شعور باليأس فقط يؤسس لأعلى درجات الغضب، وهذا ما يخيف الطبقة المهيمنة على السلطة، من ضمنها "إصلاحيو" الأمس القريب. 


لقد مضى عام تقريباً على حكومة السيد عادل عبدالمهدي، ذلك الذي ظل يمسك العصا من منتصفها محاولاً تأجيل الاصطدام بأي طرف. ربما فات هذا الرجل صاحب الجذور الماركسية أن لعبة السياسة لا تتغلب على التاريخ، وأن محاولة التوفيق بين المتناقضات في بنية الدولة السياسية لا يمكن لها أن تضبط ديناميات الحراك في بنى الدولة الاجتماعية الى الأبد. هذا تاريخ لا تكتبه السياسة وحدها، وأنما يشترك معها الاقتصاد والثقافة والدين وضرورات مجتمعية أخرى غير معنية بلعبة التوازنات ولا تفكر إلّا بحاجاتها الأساسية واليومية. ضرورات لا تحتاج سوى الى شرارة بسيطة وقليل من الاندفاع كي تنفّس عن غضبها وتنفجر بوجه السلطة. وها هم شبّان تشرين يجدون في تدمير "بسطياتهم" وتجريف صفائح بيوتهم المتجاوزة وعدم توظيفهم في المؤسسات الحكومية، إضافة الى حصر سلطة المال بطبقة أبناء المسؤولين والمنتفعين، ناهيك عن القرارات غير المفهومة التي تطال "رموزهم" العسكرية شرارات (وليس شرارة واحدة) تفجر فيهم طاقة الخروج الى الشارع والتهديد باسقاط النظام كله. 


لقد كتبت في لحظة اعلان عبد المهدي رئيساً للوزراء من إنه يمثل آخر لحظات الأمل في أولى محطات اليأس وأراني أنظر الى اليأس الآن كيف يحرك العراقيين بلا خوف من سلطة ولا قلق من مئة فصيل مسلح. 






المدى 
AM:03:14:07/10/2019