فن حلاقة الصلعة
إنعام كجه جي


ظننته يسخر مني حين قال إن الممثل الأميركي يول براينر كان من زبائنه. كيف يكون من زبائنك وهو أصلع بلا شعرة واحدة وأنت حلاق؟ نظر لي مستنكراً وألقى علي موعظة في فنون حلاقة الصلعة والاعتناء بها لامعة ملساء على الدوام.

ومحدثي هو ميشيل كارو. يسمونه حلاق الكبار. كان مديراً لصالون الحلاقة الموجود في فندق «هيلتون» في باريس، أيام عز ذلك الفندق. هناك تعرف على مشاهير السياسة والفن. وعندما افتتح صالونه الخاص، خلف البرلمان الفرنسي، صار حلاقاً للنواب. يحرص على ألا يعطي موعداً متقاربا بين نائب من أحزاب اليمين وآخر من أحزاب اليسار. يمكنهما أن يختلفا تحت القبة. فإذا تشاجرا عنده تكسرت المرايا.

والحلاق القدير، أي المزين، مهنة معتبرة في هذي البلاد. مثلها مثل الطباخ والخياط والمُدلك أو المُدلكة. وميشيل كارو يعلق على جدار صالونه صورته وهو يتلقى وسام الاستحقاق الفرنسي من وزير الاقتصاد. وهناك صورة ثانية نراه فيها يمزح مع وزير الداخلية الأسبق جان بيير شوفينمان ويمد له يديه طالباً أن يضع فيهما القيود. إن الوزير من زبائنه. ولقب وزير الداخلية: «الشرطي الأول في فرنسا». ما هيبة الشرطي من دون كلبشات؟ ولما أصيب شوفينمان بحادث صحي عارض ومكث فترة في المستشفى العسكري، أرسل يستدعيه لكي يحلق له شعره.

يقول إن شاه إيران كان يستدعيه إلى «الهيلتون» لكي يرتب له شعره إذا حل في باريس. وللشاه مقر خاص لكن وزراءه ومرافقيه يحجزون كل الطابق العلوي من الفندق. وعندما نظمت إيران احتفالات «برسيبوليس» في سبعينات القرن الماضي، تلقى الحلاق وطاقم مساعديه الدعوة لحضور المناسبة والاهتمام بتصفيف شعور الضيوف الرجال.

أما الممثل بيتر لوفورد، صهر الرئيس الأميركي كيندي، فكان يستدعيه إلى لندن، مرة كل أسبوعين، لكي يعتني له بشعره أثناء تصوير فيلم «ملح وفلفل». في حين كان بطرس غالي، الأمين الأسبق للأمم المتحدة، يذهب إليه في صالونه البسيط. قال له إنه يعيش في الطائرات. ولم يكن المقص ينفع مع غالي بسبب خشونة شعره، بل ماكينة الحلاقة. لكن المشكلة الحقيقية كانت مع الفروة الطويلة والغزيرة للمغني اليوناني ديميس روسوس. إن فرد شعره بالمجففة يحتاج ساعتين.

دائماً ما كنت أتساءل عن أولئك الزعماء الطغاة الذين يتحركون مدججين بالسلاح ورجال الحماية والسيارات المصفحة. كيف يأمن الواحد منهم للحلاق ويستسلم بين يديه ويسلمه رأسه؟ ضربة سريعة من الشفرة على العنق وينتهي كل شيء. حتى في أفلام الكاوبوي يحتفظ البطل بمسدسه في حضنه. ألهذا السبب كان القذافي يطيل شعره؟

نشأ حلاق الكبار في أسرة متواضعة. كان عليه أن يتعلم صنعة لكي يساعد أباه. وفي سن الثانية والعشرين نال لقب «بطل فرنسا» في الحلاقة الرجالية. ففي كل عام يتم اختيار أبطال من العمال المَهَرة المتفوقين في حرفتهم. واليوم له أربعة أجيال من الزبائن، وابن يشتغل صحافياً في جريدة «الموند». لكنه لا يميل لاستقبال الصحافيين لكي لا يكشف أسرار الكبار. إن الزبون ذا السطوة يخلع ألقابه ونياشينه عندما يخلع سترته ويرتدي روب الحلاقة. يعود فرداً من الأفراد، يصمت أو يثرثر أو يطلب المشورة. فإذا رششت الكولونيا على وجهه ووقف وارتدى سترته، خيل لك أن النشيد الوطني يخرج من أذنيه.

أستعيد كلامه وأنا أمر بصالونه وأجده مسدل الستائر. لعلها «كورونا»، أو لعلني نسيت أنه يوم الاثنين. لماذا خرج عن تحفظاته وثرثر معي كثيراً؟ قال إنه لا يصادف صحافية عربية كل يوم.

-aawsat


AM:05:42:27/09/2020