التظاهر السلمي لا يعد جريمة إرهابية
هادي عزيز علي


استعمال الحق المقرر بموجب أحكام القانون لا يعد جريمة حسبما تنص عليه المادة (41) من قانون العقوبات.


ولما كانت حرية التظاهر السلمي وحرية الاجتماع حقاً دستورياً تضمنته المادة (38) من الدستور المدرج تحت باب الحقوق والحريات في الدستور، لذا فأنه يعد فعلاً مباحاً والفعل المباح يخرج عن نطاق التجريم الوارد في النصوص العقابية، طالما أن فعل الاحتجاج والتظاهر استند الى نص دستوري والذي بموجبه يكون المتظاهر الطرف الثاني في العقد الاجتماعي الذي تضمنته الوثيقة الدستورية وأرتضى أن تكون نصوصه وما يستل منه من نصوص قانونية تسهل تطبيق أحكامه، هي العنصر الضابط الذي ينظم العلاقة بين المواطن والسلطة ، وإن إخلال السلطة بهذه العلاقة العقدية يجعلها متعسفة في تطبيق القانون والفعل المنسوب لها يلزمها الجزاء .


لقد عرف الفقه القانوني الإرهاب بتعاريف مختلفة وحسب الجهة التي تنظر إليه سياسية كانت أم ثقافية أم آيديولوجية فقيل إنه : ( عمل وحشي وعنف منظم يرمي الى خلق حالة من الرعب والتهديد العام الموجه الى الدولة أوجماعة سياسية وترتكبه منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية ) . وقال آخر: ( هو مجموعة من الافعال تتسم بالعنف تصدر من جماعة غير قانونية ضد الأفراد أو سلطات الدولة لحملهم على سلوك معين أو تغيير الانظمة الدستورية والقانونية داخل الدولة . وقال ثالث : ( يتحقق الإرهاب اذا كان الباعث أيديولوجيا أكثر منه شخصياً، وأن يكون الفعل أدى الى إلحاق الضرر والأذى ضد الحياة والممتلكات). وقيل أخيراً وليس آخراً :(استخدام العنف كأداة لتحقيق أهداف سياسية ) . وبهذه التعريفات التي لم يخرج عنها التعريف الوارد في قانون مكافحة الارهاب رقم (13) لسنة 2005 تكون الصورة المشكلة عن الإرهاب واضحة.


ولمزيد من الايضاح فقد بيّنت المادة الثانية من القانون الأفعال التي عدها المشرع أفعالاً ارهابية يمكن في حالة ثبوتها وتحقق أركانها ان تشكل جريمة ارهابية تلزم بتوجيه التهمة لمرتكبها على وفق أحكام المادة الرابعة من القانون المذكور، وبخلاف ذلك لا تعد الجريمة إرهابية، إذ قد تحمل توصيفاً قانونياً آخر .


والأفعال التي بينتها المادة أعلاه والتي تعد أفعالاً إرهابية هي : 1 – العنف أو التهديد الذي يهدف الى إلقاء الرعب بين الناس أوتعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر وتعريض أموالهم وممتلكاتهم للتلف أياً كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذه لمشروع إرهابي منظم فردياً أو جماعياً .2- تخريب أو أتلاف أو إضرار عن عمد مباني أو أملاك عامة أو مصالح حكومية عامة أو دوائر الدولة والقطاع الخاص ... والحيلولة دون استعماله للغرض المعد له بباعث زعزعة الأمن والاستقرار . 3 – من نظّم أو ترأس أو تولى قيادة عصابة مسلحة إرهابية تمارس وتخطط له وكذلك الإسهام والاشتراك فيه . 4 – العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية. 5- الاعتداء بالأسلحة النارية على دوائر الجيش والشرطة .. أو الدوائر الأمنية .. 6 – الاعتداء بالأسلحة النارية وبدافع إرهابي على السفارات والهيئات الدبلوماسية في العراق كافة .. والمؤسسات والشركات العربية والاجنبية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية .. 7 – استخدام بدوافع إرهابية أجهزة ومتفجرات أو حارقة لازهاق أرواح الناس .. 8 – خطف أو تقييد حريات الأفراد أو احتجازهم أو للابتزاز المالي لأغراض ذات طابع سياسي أو طائفي أو قومي أو ديني أو عنصر نفعي من شأنه تهديد الأمن والوحدة الوطني والتشجيع على الإرهاب .


هذه الافعال التي يقوم بها الفرد أو الجماعة التي عدها القانون أفعالاً إرهابية. لذا والحالة هذه نحاول هنا الوصول والوقوف على التوصيف القانوني وبيان فيما إذا كان الفعل المنسوب للمحتجين والمتظاهرين وينطبق وأحكام الجريمة الإرهابية من عدمه نبيّنه على الوجه الآتي: 


1 - إن المحتجين لم يقوموا بأفعال تعرض حياة الناس وحرياتهم وأمنهم للخطر، لكونهم هم الناس المعرضة حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر. وإن الأهداف المعلنة للمحتجين المعروفة لوسائل الإعلام ويعرفها الداني والقاصي التي تمثل المطالب من الحقوق والحريات حسب، وليس من بينها إثارة الرعب التي تتطلبها الفقرة (1) من المادة الثانية، إن لم يكن هم من تعرضوا لذلك الرعب. عليه واستنادا لما تقدم فإن الأفعال المنسوبة لهم لا تصح أن تكون ركناً مادياً للجريمة الارهابية لكنها تندرج تحت حكم الفعل المباح، وبغياب هذا الركن المادي يكون الكلام عن الجريمة الارهابية لغواً.


2 - طرح المحتجون مطالبهم التي تدخل ضمن الحقوق والحريات والتي تدافع في الطابع السلمي المعلن لغة وفعلاً. لذا والحالة هذه يكون من المستغرب القول بأن الأفعال تلك هي أفعال تتسم بالعنف أو التهديد بتخريب أوهدم عمداً مباني أو أملاك عامة أو مصالح حكومية أو مؤسسات أو هيئات حكومية أو دوائر الدولة والقطاع الخاص أو المرافق العامة والأماكن المعدة للاستخدام العام والتي تضمنها الفقرة (2) من المادة الثانية . ولما كان شعار ( سلمية ) واقع قولاً وفعلاً ، فهذا الفعل يلغي النية الآثمة والقصد الجرمي التي يستلزمها الركن المعنوي للجريمة الإرهابية نظراً لنُبل المطالب المستند الى المشروعية . عليه فغياب النية الآثمة المفضي الى غياب الركن المعنوي للجريمة. يجعل الحديث عن جريمة إرهابية على وفق ما تقدم لا سند له من القانون.


3 - المحتجون يقومون بهذا الفعل وهم ممسكون بالمادة (38) من الدستور التي تبيح لهم حرية الاجتماع والتظاهر السلمي. وهذا الفعل لا يتفق مع العصابة المسلحة التي تتطلبتها الفقرة (3) من القانون. وحتى أن اتهام المحتجين بهذه الفقرة ولو على طريقة لي عنق النصوص مثير للسخرية فعلاً. فهم ليسوا عصابة مسلحة ارهابية تمارس وتخطط للأعمال الإرهابية لا إسهاما ولا عن طريق المشاركة. ومن يطلقون التهم الإرهابية هم على يقين تام إنهم يقولون الخطأ والخطأ القانوني على وجه التحديد.


4 - ولا يمكن توجيه تهمة الإرهاب للمحتجين على وفق أحكام الفقرة (4) من المادة المذكورة المتعلقة العمل بالعنف والتهديد على إثارة فتنة طائفية أو اقتتال طائفي عن طريق تسليح المواطنين أو حملهم على التسليح بعضهم بعضاً وبالتحريض والتمويل . لأن المحتجين والمحتج عليهم ينتمون الى ذات الهوية الجزئية الطائفية والدفع بهذا التصور مردود من الوجهة القانونية ولا يمكن قبوله مطلقاً.


وما ينطبق على الفقرات الاربع أعلاه ينطبق على بقية الفقرات، ولما كان المحتجون عزّل ليس لديهم سوى أجسادهم وأقوالهم فمن غير الممكن أن يعتدوا بالأسلحة النارية على دوائر الجيش أو الشرطة أو الدوائر الأمنية، وحيث إن الأمر كذلك فلا يصح قانوناً اتهامهم على وفق احكام الفقرة (5) من المادة المذكورة لغياب الأسباب التي اشترطها النص المذكور.


وكذلك الأمر بالنسبة الفقرة (6) من المادة أعلاه فليس هناك أي فعل موجّه ضد السفارات والهيئات الدبلوماسية أو المؤسسات والشركات العربية والاجنبية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية العاملة في العراق وفق اتفاق نافذ. إذ لم يسجل هكذا اعتداء طيلة فترة التظاهر وبذلك لا يصح مطلقاً الاتهام على وفق أحكام هذه الفقرة. والأمر لا يختلف كذلك على ما تضمنته الفقرتان (7) و( 8) من المادة ذاتها .


لما تقدم فأنه من المعيب حقاً من الوجهة القانونية اتهام المحتجين بالإرهاب مع القناعة على نُبل المطالب ومشروعيتها.






المدى 
AM:04:20:12/11/2019