خطيئة التميز والاختلاف
بسمة النسور


تعرّضت مرشّحة في انتخابات مجلس النواب الأردني، أخيراً، لحملة تنمّر واستقواء عليها. فقد تبارى جهلة وجاهلات من المتظارفين محدودي التفكير في نشر التعليقات المسيئة وغير اللائقة على مواقع التواصل الاجتماعي بحق الثلاثينية، ذات الطموح والكفاءة والحماسة. لم يشفع لها أنها محامية متمرّسة، وناشطة في حقوق الإنسان، تتمتع بالثقافة والذكاء والحضور القوي المؤثر.

ما تذرّع به بعضهم، واعتبروه نقطة ضعف فيها، في سياق التطاول عليها، أنها، والعياذ بالله (!)، على قدر من الجمال والأناقة والمظهر العصري الرصين، ما وصل بهم إلى حد التحرش العلني والصفيق، مثل "بعطيكي صوتي وحنجرتي يا حلوة"، وغيره من تعليقاتٍ لا يجاز نشرُها من فرط ابتذالها. الصادم، والمثير للحيرة، مشاركة واسعة من نساءٍ لا يمكن وصفهن إلا بالفاشلات الحاقدات الغيورات، كان من المفترض أن يشكلن قاعدة انتخابية للمرشّحة الشابة، وزميلاتها ممن قرّرن خوض التجربة، غير أنهن، لدوافع ليست نبيلة، اخترن أن يصطففن، بصلافة، في التصدّي لأحلام الطامحات والعاملات على بناء واقع أقل قسوة.

كذلك وجدت مرشّحة ثانية نفسها في مواجهة حملةٍ كريهة لا تقلّ شراسة، على الرغم من أنها صاحبة سيرة ذاتية مبهرة، منها حصولها على بكالوريس في الفنون المسرحية، كأول كفيفة في الأردن تدرس هذا التخصص، ونيلها جائزة الملك عبد الله للإنجاز والإبداع الشبابي، وأهّلتها مواجهتها تحديات صعبة لنيل وسام الحسين للعطاء المميز.

وازدادت حدّة التنمر على المرشحة إسفافاً وانحطاطاً، بعد إجابتها عن سؤال في مناظرة انتخابية مع مجموعة مرشحات بشأن موقفها من تعليم الصحة الإنجابية والجنسية في المدارس، فأجابت بأنها تعتبر الاهتمام بالثقافة الجنسية في المدارس ضرورة ملحّة، خصوصاً للطلبة في عمر المراهقة الذين يواجهون مشاعر مختلطة، بسبب مرحلة نموهم الدقيقة والحساسة، مؤكّدة ضرورة تثقيفهم في هذا الشأن، بغية حمايتهم نفسياً، وتوعيتهم بأسلوب علمي محترف، ما يجنّبهم الوقوع في مخاطر البحث عمّا يحدث في أجسادهم من تحولاتٍ غير مفهومة على المواقع الإباحية في الإنترنت، ما يمكن أن يؤدّي بهم إلى الانحراف والتعرض للاستغلال. وبسبب هذا الجواب العلمي المتّزن، والمعزَّز بالوقائع والإحصائيات، انهالت فوق رأسها التعليقات المسيئة والجاهلة والمبتذلة، واعتبر كثيرون كلامها ترويجاً للانحلال، وحضّاً على الفسق والفجور.

وفي السياق ذاته، تتعرّض إعلاميةٌ في مقتبل العمر، تعمل مذيعة نشرةٍ جويةٍ في قناة أردنية، لتعليقات مسيئة كثيرة، ولمختلف أشكال التحرّش الإلكتروني.

 لم ترتكب الفتاة أي خطيئة سوى أنها تعمل بجهد في سعي إلى تطوير ذاتها وتحقيق طموحها، وهي تدرك صعوبة الوصول إلى أهدافها، بل وحقها المشروع في العمل في مجتمع معادٍ من حيث المبدأ للأنوثة، تقوم أدبياته على الحطّ من شأنها، والتقليل من أهمية منجزها، ورفض مشاركتها في الحياة العامة، ومحاولة كسرها إذا سوّلت لها نفسها ارتكاب "خطيئة" التمييز والاختلاف والتفوّق، في ظل ثقافة ذكورية ممعنة في القسوة، تظهر تداعياتها البائسة في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تعليقاتٍ نابيةٍ وبذيئة، تعكس جهل أفراد كثيرين، ورثاثتهم وتدني أخلاقهم. وبعضهم، لشديد الأسف، حاصل على أعلى الدرجات العلمية التي لم تزده إلا تخلفاً وانغلاقاً وتناقضاً. يعتري الواحد منهم الرعب والارتباك، والشعور غير المبرّر بالتهديد إزاء منجز المرأة بالمطلق.

من هنا، تقرّ نساء متميزات كثيرات بأن درب الخلاص شاقٌّ وطويل، ومزدحم بشتى أصناف العوائق والعقبات. وعلى الرغم من ذلك، فإنهن لا يرفعن شارة الاستسلام، بل يمضين متحدّيات عنيدات، واثقات بحتمية التغيير، مهما طال الزمن.

-alaraby
AM:08:09:30/11/2020