التطرف الدينى والتشدد المذهبى
دينا شرف الدين

ومجددا نعود للحديث عن التطرف الديني و ما يخلفه من تفكك و شتات و خلافات حادة عادة ما تصل إلي حد الإقتتال وإراقة دماء الأبرياء.


فالتشدد المذهبي الطائفي من أشد أنواع التطرف الديني خطراً علي الإنسانية بأكملها، والطوائف المتعددة  التي توجد بجميع الأديان السماوية خرجت عن كونها قناعات  و ميول بشرية لأشخاص بعينهم إلى أحكام ومعتقدات شديدة القدسية، كما لو كانت آيات محكمات منزلة بالكتاب السماوي نفسه !


نجد هذا الخلاف المذهبي في الديانة المسيحية من خلال مذاهبها الأربعة المعروفة


( الكاثوليكية، البوتستانتية، الأرثوذكس الشرقية ، الأرثوذكس المشرقية) .


كما نجده أيضاً بالديانة اليهودية فبها أربع طوائف أساسية:


طائفة الأرثوذكس والمحافظين والإصلاحيين و"المجددين"، بالإضافة للقراء الرافضين للتلمود وللسامريين الذين يرفضون اسم اليهود بل يسمون أنفسهم بني إسرائيل


أما الدين الإسلامي فبه مذاهبه الأربعة (الحنبلية ، الحنفية، الشافعية، المالكية)


وتتفاوت حدة الاختلافات بين هذه المذاهب بالديانات الثلاث، لكنها لا تصل لحد القتال .


أما عن الطائفتين الأشهر بالإسلام 


"السنة والشيعة" فقد بلغ بهما التطرف ذروته وتعمق العداء بين أصحابهما لدرجة الإقتتال و الحروب و الصراعات الغير متوقفة للإستحواذ و السيطرة علي السلطة!


و علي رأس هذا الخلاف المذهبي الذي كان سبباً جلياً في شتات و انهيار أمم بعينها طائفتي الشيعة و السنة اللتان شكلتا طرفي الصراع الأزلي الذي تأذي منه أناس يؤمنون بالله و اليوم الآخر و يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمداً رسول الله .


فعلي سبيل المثال :


منذ أن اقتنصت الشيعة بقيادة المسمون بآيات الله حكم إيران بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وإسقاط نظام الشاه، تصدرت المذهبية الدينية صورة الحكم ، و لم تتوقف الدولة الفارسية الشيعية عن محاولات السيطرة و بسط النفوذ علي البلدان المجاورة لاعبة علي وتر الدين و  التعاطفات و الإنتماءات الطائفية التي تتحكم  بمشاعر أعداد غفيرة بهذه الدول لتتخذهم  جنوداً مجندة تدعم  و توطد من خلالهم وجودها كقوة مؤثرة فاعلة علي الأرض تمهيداً  للخطوة التالية في مخطط الزحف و السيطرة الذي غالباً ما سيتخذ شكل الحرب الصريحة !


وهذا ما حدث بالفعل و تجلي بالمنطقة العربية في عدد من الدول علي رأسها "العراق "، بعد سقوط نظام صدام حسين علي أيدي قوات الغزو الأمريكي بحجة البحث عن الأسلحة النووية ، فقد فتحت العراق من بعدها الباب علي مصراعيه للنفوذ الإيراني الشيعي و خاصة أن بالعراق أعداد لا بأس بها من الشيعة الذين لم تكن لهم علاقات بإيران و لم يكونا يوماً سبباً في القلاقل بعهد صدام حسين ، الذي تركهم يعتنقون مذهبهم دون المساس بحرياتهم و طقوسهم الدينية .


لكن: الدولة الفارسية التي ترفع شعار المذهب الشيعي و ترفع رايته لتبسط نفوذها  وتوسع رقعة حدود دولتها بكل دول الجوار  متلاعبة بالحماس الديني لم تكتف بالسيطرة الدينية علي المريدين هنا و هناك ،


لكنها سيطرت و حركت و دعمت مادياً و عسكرياً  ميليشيات مسلحة  بالعراق و اليمن و لبنان ،


حتي وصلت صراعاتها المكشوفة مع الولايات المتحدة لقتل أحد أهم قادة الحرس الثوري الإيراني علي يد أمريكا أثناء وجوده بالعراق في إحدي عملياته العسكرية العلنية !


إذ باتت العراق مسرحاً للنزاع المعلن بين أمريكا التي وضعت أقداماً راسخة علي الأراضي العراقية وأصبحت إحدي أهم القوى الموجودة بالعراق و إيران بالمقابل كقوة كبيرة ذات مريدين و أتباع كثر


وعن شعب العراق الذي لا يميل لهذا أو ذاك ' فقد خرج عن الصمت وثار لرفض هذا الوجود بأراضيه.


أما متطرفو (المذهب السني)


ذوي المسميات المتعددة علي رأسها داعش و القاعدة و النصرة و الإخوان وغيرها، فقد انتهجت منهج العنف و القتل و التكفير لكل من لا ينتمي لهم ، و استحلت دماء الأبرياء مثلما استحلت تمويلات و دعم الغرب علي رأسه أمريكا  متغاضية عن وصفها لهم بالكفرة علي اعتبار  أنهم من غير المسلمين ، 


وكرست مجهوداتها لقتل إخوانها من المسلمين وهدم و تدمير بلادها  أملاً في السيطرة و الحكم  بحجة دولة الخلافة و غيرها من الترهات الكاذبة التي تبرر بها أفعالها الخسيسة ، متغاضية تماماً عن دولة اليهود المزروعة بالمنطقة و المدعومة مادياً و معنوياً و عسكرياً من أمريكاً !


كما يتجلي النموذج السني التركي الأردوغاني الباحث عن استعادة دولة الخلافة الزائلة باحتضان و دعم و تمويل كافة أشكال و أنواع التنظيمات المتطرفة في محاولة للتوسع و بسط النفوذ من خلال اللعب علي وتر الدين و تحت رايته !


وبين هذا وذاك،


هناك أناساً لا تشغلهم تلك السياسات و المذاهب و الطوائف وخلافه، بل كل ما يشغلهم هو الأمان و السلام و الحرية و الوطن المستقر ولقمة العيش.


هؤلاء الذين تشردوا بالأرض و فقدوا أعز وأغلى ما يملكون دون ذنب اقترفوه، فتفرقوا بالبلاد و تحولت حياتهم الآمنة المطمئنة إلي كابوس مخيف لا صحوة منه جراء أطماع الطامعين الذين لا يشغل بالهم سوي المصلحة و السطوة و المال و فرض النفوذ بالقوة والدم  تحت راية الدين وطوائفه المتشددة التي لا علاقة لها به و بجوهره الذي أنزله الله بكتابه الكريم، متخذة من هؤلاء المعتدلين دينياً وقوداً للنار التي يشعلها كل منهم بالآخر لتحقيق أطماعه وإعلاء رايته.


وما زالت الصراعات مستمرة، وما زالت الشعوب من تسدد فواتيرها، وما زال الطواغيت بقوتهم فرحون وبغيهم مستمرون.




youm7
AM:03:31:25/01/2020