الحلم الديكتاتوري
حسام كنفاني


لا يخفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعجابه بالأنظمة الديكتاتورية وزعمائها. ولا يخجل من إعلان رغبته في تجربة الأنظمة الشمولية في الولايات المتحدة. قالها صراحة، عن طريق المزاح، حين أقرّ مجلس الشعب الصيني في مارس/ آذار 2018 استمرار الرئيس شي جين بينغ في الحكم مدى الحياة. حينها اقترح ترامب بأن تحذو الولايات المتحدة حذو الصين، قائلاً إنه "أمر رائع"، و"ربما سنضطر إلى القيام بالخطوة نفسها في يوم من الأيام".

وما فسر في ذلك الوقت مزاحا، أعاد ترامب تكراره بطريقة ثانية، لدى تبرئته في فبراير/ شباط من تُهمتَي عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة، في ختام محاكمة تاريخية، سعى من خلالها الديمقراطيون إلى عزله، إذ سارع ترامب بعيد التصويت إلى نشر مقطع فيديو على "تويتر" تظهر فيه عبارة "ترامب إلى الأبد". وظهر ترامب في مقطع الفيديو واقفا بينما تتواتر أمامه لافتاتٌ تتعلق بإعادة انتخابه وتحمل أرقاما لعقود عديدة قادمة ثم قرون، وينتهي المقطع برسالة "ترامب إلى الأبد". 
حتى أن الرئيس الأميركي لا يتوانى عن إبداء إعجابه بالزعماء الديكتاتوريين، وهو الذي سعى إلى مصادقة حاكم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والتقاه وأغدق عليه المدائح، وهو الذي وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ"ديكتاتوري المفضل"، قبيل لقائهما على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا أغسطس/ آب من العام الماضي.

هذا الإعجاب بالديكتاتورية وجد له ترجمةً أخيراً على الأرض الأميركية من خلال فرمانات بات ترامب يستسهل إصدارها، ضارباً عرض الحائط بالأعراف والقوانين التي تحكم الوضع في البلاد منذ عشرات السنين.

ولعل "فرمان" مواجهة مواقع التواصل الاجتماعي، والذي جاء على خلفية شخصية وليس ضمن المصالح العامة الأميركية، خير دليل على التوجه الديكتاتوري لترامب. فالرئيس الأميركي، وبعد تعليق من منصة "تويتر" على إحدى تغريداته، حمل إشارة إلى أنها تحوي أخباراً كاذبة، عمد إلى إصدار قرار تنفيذي يستهدف تعديل أحد القوانين الأميركية لمحاسبة مواقع التواصل على ما ينشر فيها، وهو أمر من شأنه أن يضرب فكرة "الحرية" أو "الحلم الأميركي" التي كانت تتغنى فيها الولايات المتحدة.

القرار هذا يأتي تتويجاً لسلسة من المواقف والإجراءات التي استهدف خلالها ترامب الإعلام بشكل عام، وخصوصاً الصحف والتلفزيونات التي تنتقده، وفي مقدمتها شبكات إعلامية كبيرة، على غرار "سي أن أن" و"واشنطن بوست".
حتى في تعامله مع الاحتجاجات التي اندلعت بداية في مينيابوليس، قبل أن تعم معظم الولايات الأميركية، احتجاجاً على مقتل شاب من ذوي البشرة السوداء على يد الشرطة، أخرج ترامب من جعبته المصطلحات والأدوات الديكتاتورية، ملوّحاً بإرسال الجيش لإخماد الاحتجاجات. ويبدو أن فكرة استعراض القوة العسكرية تداعب مخيلة ترامب منذ مدة، وهو الذي خرق كل التقاليد الأميركية بتنظيم عرض عسكري في واشنطن، كان الأول من نوعه، في العام الماضي، مقتدياً بنظرائه في روسيا والصين وكوريا الشمالية.

"حلم الديكتاتورية" يمكن رؤيته في كل التصرفات التي يقوم بها ترامب، حتى في تعاطيه مع جائحة كورونا، إذ أقصى كل المتحدثين الخبراء في العلوم، ليتولى دفة الحديث بصفته "العالم في كل شيء" و"الرئيس الملهم الذي لا يخطئ"، الأمر الذي أثار ردات فعل وانتقادات حتى في أوساط الحزب الجمهوري. انتقادات، ربما تعجل في نهاية حكم ترامب خلال الانتخابات المقبلة المقررة في نوفمبر، قبل أن تتحول الولايات المتحدة رسمياً إلى واحدة من "الجمهوريات الديمقراطية"، على غرار الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

- alaraby

AM:03:04:01/06/2020