الإعلام في زمن كورونا
سامح راشد


يفترض أن يكون الإعلام أكثر المجالات تفاعلاً واستجابةً للأز
مات والأحداث المهمة في تاريخ الشعوب.
 إن لم يكن من منظور الدور الإرشادي، وفقاً لمدرسة غوبلز،
 فمن منطلق الدور التعريفي (الإخباري)، وهو الجوهر والأصل في مفهوم الإعلام. 

ومنذ بدأت أزمة وباء كورونا في العالم، لم يتوقف الإعلام في كل الدول
عن الاضطلاع بمهمته الأساسية في كشف الحقائق وتوعية الجمهور
وربط الأحداث ببعضها. لتكون الصورة واضحة وغير مُجتزأة.
 ولعل القارئ يتذكّر أن الإعلام كان سبباً مباشراً في لفت انتباه العالم إلى
الإصدار الجديد من الفيروس،
وفضح ما جرى للطبيب الصيني الذي اكتشفه.

وما قامت به وسائل الإعلام العالمية جعلها طرفاً مباشراً في
 إدارة الأزمة،وليس مجرّد وسيط أو ناقل أخبار بين الحكومات والشعوب،
فقد تغيرت خريطة البث وأولويات القضايا بما يخدم هدفي التعريف والتوعية.
وكان لافتاً أن وسائل الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وفي معظم الدول،
 لم تقصر جهودها وأداءها على المجتمعات المحلية، إدراكاً منها لعولمة الأزمة،
وأن الوباء عابرٌ للحدود، لن يسلم منه شعبٌ إلا مع انتهائه من العالم ككل.

استشعر الإعلام هذه "المسؤولية" في كل الدول تقريباً، بما فيها دول عربية
 وأفريقية وفي أقصى بقاع الأرض، عدا ثلة من الدول، منها مصر وكوريا
الشمالية وإيران وأخرى مشابهة، إذ استمر عمل الإعلام فيها على
 الوتيرة التقليدية نفسها، بممارسة الدور الإخباري بنقل ما يجري ما في في
الداخل وما في الخارج بعد تنقيتهما سياسياً.

والدور التوجيهي بتبرير القرارات الحكومية وتسويقهما أياً كانت،
حتى وإن انتقلت من النقيض إلى النقيض. مثلاً، كان الإعلام
 المصري قبل شهرين فقط يصرخ ويناشد المواطنين البقاء في المنازل.
 والآن يطالب الإعلام نفسه المواطنين أنفسهم بالعودة إلى الحياة الطبيعية
مع مراعاة إجراءات الوقاية، وتحديداً ارتداء الكمّامة. لم يختلف الدور
 ولا الأداء ولا الرسالة. ولم يرق الإعلام إلى مستوى الأزمة،
 فلم يناقش حلولاً مبتكرة استباقية للوقاية أو المواجهة.

 ولم تظهر حملات إعلامية مثل التي تتم بكثافة في أثناء
الاستحقاقات الكبرى، مثل الانتخابات والاستفتاءات، لحشد المواطنين
 وتنظيم عمل المؤسسات والتنسيق بين التنفيذيات والمحليات والفئات الاجتماعية
 والمهنية للقيام بعمليات تآزر وتكافل ذاتي.

كل ما جرى هو استغلال مكوث المصريين في المنازل والبقاء
 ساعات طويلة أمام الشاشة، في تكثيف الجرعة السياسية والتعبوية.
 سواء في الأعمال الدرامية، أو في البرامج الحوارية.
 بل وكذلك في وثائقيات قصيرة وتنويهات امتلأت بها الفواصل ومواد البث البينية.

 ولم تختلف رسائل كل هذه الأشكال الإعلامية في مضمونها،
 فكلها تدعو إلى الاتحاد والالتفاف وراء الجيش والدولة بالمطلق من دون أي تفكير،
 وكلها تحرّض على "أهل الشر" و"أعداء الوطن"،
 ولكن هذه المرة بتحديد وتفصيل دقيق لانتماءاتهم وأفكارهم، بل وأحياناً
 لأسماء شخوصهم.

ما يدعو إلى الدهشة افتقاد هذا الخطاب التقليدي المُكرّر أي مبرّر
 لتكراره في هذا التوقيت.على حساب الحدث الجلل الذي يمر به العالم كله،
 ويعاني منه المصريون أشدّ ما تكون المعاناة.
 غابت أزمة وباء كورونا عن الدراما المصرية بشكل مطلق،
واقتصر تناولها في الإعلام ككل على نقل تصريحات الحكومة والمسؤولين،
 وبث فقرات توعوية موجزة تحثّ على البقاء في المنازل وتكرار غسل الأيدي.

هذا هو نصيب تلك الأزمة من اهتمام الفن والإعلام في مصر.
مع تغير الهدف إلى وضع الكمّامة وتطور الرسالة إلى تحميل كل
 مواطنٍ مسؤولية نفسه، تماشياً مع الاتجاه الرسمي إلى استئناف
 الأعمال وتخفيف قيود الحركة.

 أما تنمية ثقافة الوقاية والتكاتف الاجتماعي وأهمية المجتمع المدني
 والدور المجتمعي لرجال الأعمال، والحلول الخلاقة لمشكلاتٍ
 متشابكةٍ احدثتها الأزمة أو كشفتها،
وبث روح المصير الواحد والمسؤولية المشتركة عنه، فردياً وجماعياً،
فكلها رسائل ومضامين غائبة، أو ربما مغيبة، عن الإعلام المصري.

- alaraby


AM:03:12:01/06/2020