المثقفون ومهمات الحكومة الراهنة
د.كاظم المقدادي


من خلال المتابعة المثابرة لمست أن الغالبية العظمى من المثقفين الوطنيين والديمقراطيين يتفقون على أن الوضع الحرج الراهن، الذي يمر به وطننا المستباح، يتطلب منا، أكثر من أي وقت مضى، وحدة الكلمة ووضوح الخطاب،الى جانب صراحته، ومواصلة النقد غير المهادن للتقصير وسوء الإدارة والفشل، وتقديم المعالجات الجادة.

وهذا ما يقتضيه ويستوجبه واجبنا الوطني ومساهمتنا القوية والمؤثرة في التصدي للهجمة الإعلامية الشرسة للطغمة الفاسدة والمستهترة المهيمنة على مقدرات البلد، خاصة في هذه الأيام حيث توجه سهامها المسمومة للقادة العسكريين المهنيين والمخلصين للشعب والوطن والمضحين من أجله، وفي مقدمتهم أبن الشعب البار، قائد التحرير، البطل الوطني، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي- رئيس جهاز مكافحة الأرهاب، وبالتالي توجيهها للسيد مصطفى الكاظمي- رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، الذي أعاد الساعدي وغيره من الضباط الكبار الى مواقعهم المناسبة رغم أنف المعترضين والحاقدين..

ولابد من التذكير بان أنتفاضة تشرين الخالدة وصمود أبطالها هي من أجبرت القوى المتنفذة في السلطة على التنازل وقبول تكليف السيد الكاظمي لقيادة المرحلة الأنتقالية..

ولا شك بأن الكاظمي عندما قبل بالمهمة كان يعلم جيداً بأن مهمته ستكون عسيرة وشائكة ومعقدة، وسيواجه وطاقمه تحديات كبيرة إذا ما أقدم على تنفيذ برنامجه،الذي قدم له بأن حكومته حكومة أفعال وليس أقوال، وأولوياته: التخفيف من الضائقة المعيشية للشرائح المتضررة، والتصدي لوباء كورونا، وحصر السلاح بيد الدولة، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وتقديم الفاسدين للعدالة، والتهيئة للانتخابات المبكرة..

والجميع يعلم بأن الكاظمي ليس لديه حزب سياسي متنفذ، ولا ميليشيا، ولا تحالف أو كتلة برلمانية.وأعلنها واضحة وصريحة بأن سنده الأول والأخير هو الشعب، الذي جاء لخدمته بالأفعال كما أعلن مراراً..

بالمقابل، كانت القوى المتنفذة، التي وافقت، مجبرة، على تكليف الكاظمي بالمهمة، قد خططت ورسمت بان لا يخرج عن طوعها وتنفيذ إرادتها والمحافظة على مصالحها، وأنها تقف له بالمرصاد إذا ما "تحرش" بسطوتها وهدّد نفوذها وإمتيازاتها..

من هنا، ثارت الطغمة المتنفذة وإستهترت ممتعضة جداً من أول خطوة جريئة أقدم عليها الكاظمي بوصفه القائد العام للقوات المسلحة،وهي إصداره الأمر لجهاز مكافحة الارهاب باعتقال مجموعة من مليشيا " كتائب حزب الله" الموالية لايران، كانت تخطط لعمل إرهابي في داخل العراق، ومصادرة ورشة لإنتاج الصواريخ ومنصاتها بحوزتها.. مستكملآ بهذا الإجراء إعلانه الواضح والصريح بعزمه حقاً وفعلآ على حصر السلاح بيد الدولة.وهذا يعني تجريد المليشيات الخارجة على القانون، والعشائر، وغيرها، من أسلحتها، وحصر السلاح بيد القوات الأمنية والعسكرية التابعة لأمرة القائد العام للقوات المسلحة..

وقبل هذا، أمر الكاظمي- وفقاً لوسائل الإعلام- بتشكيل لجنة لفتح ملف قتلة المتظاهرين.وأخرى لملف الرفحاويين. وثالثة لملف أصحاب الدرجات الخاصة.واَخر أوامره منع اامحافظين من إجراء أي تغييرات في المناصب والتعيينات..

وضمن بحث حكومة الكاظمي عن حلول لمعالجة الأزمة الأقتصادية الخانقة، أقدمت على إتخاذ خطوات عملية. فبعد ان لمست على نحو صارخ إستنكاف الأحزاب المتنفذة التي نهبت أموال الشعب وأفرغت خزينة الدولة، عن المساهمة الجادة في حل الأزمة المالية الراهنة، وكأنها غير معنية بها،وهي المسؤولة عنها، وحيال معاناة ملايين العراقيين من الفقر والجوع والعوز والمرض، قررت الحكومة برئاسة الكاظمي تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث، والوزراء، والوكلاء، والمستشارين، والمدراء العامين، وأصحاب الدرجات الخاصة، والرفحاويين، ومتعددي الرواتب، لتستطيع تأمين رواتب المتقاعدين والموظفين ونفقات تمشية أمور الدولة اليومية، والتصدي لوباء كورونا..

هذه الخطوات الجريئة والشجاعة حظيت بإستحسان وتأييد الملايين من العراقيين، وأعطتهم بارقة أمل بتغيير النظام الفاسد السائد في العراق، ولذا أثارت رعب المتنفذين الفاسدين،والمتضررين منها، وما أكثرهم، وشرعت أبواقهم حالاً بإشاعة الكثير من اللغط والتشويش والتشويه والتحريف بهدف عرقلة تنفيذها..

ويلمس المتابعون كيف أنقلب في عشية وضحاها من خربوا العراق ودمروه ونهبوا ثرواته وأذلوا شعبه طيلة 17 عاماً ،الى "مدافعين أقحاح" عن سيادة العراق وعن مصالح الشعب العراقي.. وشرعوا بحملة عدائية ضد الكاظمي، عبر وعّاظهم ومأجوريهم وجيوشهم الفضائية والألكترونية، مدعين " فشله " في حماية سيادة العراق !!!، و" فشله" في معالجة الأزمة الأقتصادية، و"فشله" في التصدي لأزمة كورونا، والخ...ولم يمض على إستلامه للمسؤولية سوى بضعة أسابيع..

إزاء هذا الواقع الصارخ، لا أعتقد من المعقول، ولا من الأنصاف، ترك الكاظمي يتصدى لوحده للهجمة الشرسة الرامية لأسقاطه.. وليس من الصحيح، مهما كانت المبررات، أن ينضم بعض مثقفينا، بنقدهم الجارح وتشكيكهم غير المسند بأدلة ووثائق، الى جوقة المشككين بالكاظمي والداعين لرحيله..

بصراحة أقول إن المستفيد الوحيد من إسقاط الكاظمي ورحيله الآن هي المليشيات والأحزاب!.. وإذا ما أفلحت بإسقاطه فستقوى سلطتها ونفوذها ويتزايد سعيرها وإستهتارها أكثر فأكثر، وستصعب جداً مهمة الخلاص من نظامها الفاسد !.. 

بعيداً عن التفاؤل المفرط، وإستناداً للحقائق الماثة أمامنا، أدعو شخصياً، مقترحاً، دعم الخطوات الإيجابية للكاظمي جماهيرياً، ومطالبته بالمزيد والمزيد، وفي المقدمة: رفع الحيف عن ملايين العراقيين عبر إنصافهم بشيء من العدالة الأجتماعية الضامن، على الأقل، لتوفير لقمة العيش والسكن اللائق بالإنسان لجميع المواطنين، من خلال تخصيص راتب شهري معقول من الدولة لجميع الأسر التي ليس لديها دخل ثابت، ومعالجة مشكلة العشوائيات، وعودة العوائل المهجرة والنازحة الى ديارها جدياً،وتشجيع الجمعيات التعاونية للسكن، وتوفير فرص العمل ضمن مهمة دعم الصناعة والزراعة والتجارة والمنتوجات الوطنية بخطوات عملية عاجلة..

ولتوفير الأموال المطلوبة اَنياً يجب:

* إعادة سيطرة الأجهزة الحكومية على المنافذ الحدودية ومواردها، 

* تفعيل قانون " من أين لك هذا ؟ 

* العمل جدياً على إسترداد أموال الشعب المنهوبة والموجودة في البنوك الأجنبية، 

* تخفيض رواتب الرئاسات والوزراء والنواب والوكلاء والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة والمدراء العامين، والرفحاويين.

*وضمن مهمة إعادة هيبة الدولة وسيطرة القانون فوق الجميع يتعين على حكومة الكاظمي أن تُعد العدة والإقدام عاجلآ على انهاء وجود المليشيات ووضع حد لجرائمها، وحصر السلاح بيد الدولة..

وفاءَ لدماء الشهداء وللتضحيات الجسيمة لأبطال انتفاضة تشرين الباسلة لابد أن يهب من جديد شباب وشابات الانتفاضة البواسل،وينضم إليهم هذه المرة من لم يشاركوا في الانتفاضة من اتحادات ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وموظفين ومتقاعدين وكسبة، وغيرهم من المتضررين من النظام الفاسد، والمؤيدين والداعمين للخلاص منه، بمسيرات مليونيات جديدة في كافة المحافظات العراقية ..لتحقيق ما يلي:

أولاً- تأييد ودعم إجراءات حكومة الكاظمي المستجيبة لمطالب الشعب ولحقوقه المشروعة !..

ثانياً- الضغط على القوى المتنفذة في مجلس النواب وإجبارها على تيسير مهمة الحكومة في الأعداد للأنتخابات المبكرة، بتعديل قانون الأنتخابات وفقاً لإرادة انتفاضة تشرين، وتشكيل مفوضية للانتحابات مستقلة حقاً، وتفعيل قانون الأحزاب.

ثالثاً- الضغط على مجلس القضاء الأعلى لتطهير القضاء من الفاسدين والمتواطئين، والمباشرة فوراً بالكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، وكذلك الكشف عن مصير المختطفين والمعتقلين والمغيبين..

رابعاً- تضميد جراح عوائل شهداء إنتفاضة تشرين وعوائل الجرحى والمعوقين ضحايا القمع الدموي للسلطة، وتقديم الرعاية والدعم والتعويض المادي والمعنوي لها.

-almadapaper
AM:04:54:06/07/2020