وماذا بعد الصحافة الإلكترونية
إبراهيم محمود عبد الله


لكل مقام مقال, ولكل مقال أسلوب صحفي يكتب به، ولكل عصر أدواته التي تتطور يوميا بسرعة شديدة في الوقت الحالي، ولكل أداة خصائص مميزة يجب اسغلالها لتحقيق الاستفادة القصوى من الأداة المستخدمة.
ولكل أداة أسلوب صحفي يناسبها، يتماشى مع خصائصها ويستغلها الاستغلال الأمثل، ويتلائم مع الجمهور المستخدم لهذه الأداة وظروف استخدامه لها. وتطورت الأدوات من صحافة مطبوعة، إلى صحافة الكترونية، إلى صحافة التليفون المحمول عبر التطبيقات الإخبارية للمؤسسات الصحفية المختلفة.
وما أسهل النقل والنسخ وما أصعب الإبتكار..
وما أطول الوقت الذي يلزمنا للتغيير..

كلاكيت أول مرة..

أتذكر أنه عندما صدر الموقع الإلكتروني لجريدة "الأهرام” في التسعينيات، وكان أول موقع إلكتروني لجريدة مصرية، كانت الخدمة التي يقوم بها للجمهور هي عرض الصحيفة المطبوعة على الموقع الإلكتروني فقط، دون تعديل، أو إضافة أي مواد صحفية خاصة بالموقع، وانتقلت الفكرة من الأهرام لباقي المؤسسات كما هي، إلى أن ظهرت تجربة "اليوم السابع” في 2007 كأول بوابة إلكترونية حقيقية، لا تنسخ المواد المطبوعة، بل تقوم بتحرير أخبار خاصة بها تتلائم مع الخصائص والمميزات التي يوفرها الإنترنت وأهمها إمكانية الوصول للجمهور في نفس لحظة الحدث دون انتظار موعد صدور الجريدة المطبوعة، وهو ما توافق مع رغبة جمهور الإنترنت في المعرفة الآنية، ما أدى إلى نجاح الفكرة وانتشارها، فأصبح عدد البوابات الصحفية الإلكترونية الآن أكبر من عدد الصحف المطبوعة بكثير.

كلاكيت ثاني مرة…

منذ متى ظهرت التطبيقات الإخبارية للمؤسسات الصحفية المصرية على الهواتف الذكية؟
ما مدى انتشار هذه التطبيقات؟ وما مدى رضا الجمهور عنها؟
ما هي طبيعة المواد الصحفية التي تتضمنها؟ وما هو الأسلوب المستخدم في تحريرها؟

الإجابة بسيطة.. ومتوقعة.. لقد أخذت المؤسسات الصحفية المضامين نفسها التي تنشرهافي المواقع الإلكترونية واستخدمتها في التطبيقات الإخبارية كما هي بدون أي تغيير في الأسلوب التحريري، وبعض المؤسسات قامت بتغيير طفيف في الناحية الإخراجية والبعض حتى لم يقم بهذا التغيير رغم تغير الأداة من أجهزة الحاسب إلى الهواتف الذكية !! وقد يكون على الجمهور أن ينتظر سنوات كما حصل في حالة التطور الأولى حتى يرى مادة صحفية منتجة خصيصا للتطبيقات الإخبارية على الهواتف المحمولة.

ألا يدركون القائمون على المؤسسات الصحفية أن أساس نجاح الصحافة وانتشارها هو إشباع رغبة الجمهور في المعرفة بطريقة سهلة ومباشرة وشيقة ومبتكرة؟

ألا يدركون أن خصائص ومميزات الحاسب تختلف عنها في الهواتف الذكية؟ وأن هناك اختلاف نوعي في خصائص الجمهور المستخدم لهذا والمستخدم لذاك؟والأهم.. ألا يدركون أن ظروف ومكان ووقت استخدام كل منهما تختلف عن الأخرى؟

يطالع جمهور المواقع الإلكترونية الأخبار وهم متفرغون في الأغلب لهذه المهمة، فيكون تركيزهم وصبرهم على الوصول إلى المعلومة كبير، بينما يطالع جمهور المحمول الأخبار وهم يفعلون أشياء أخرى في الغالب، فيكون تركيزهم وصبرهم على الوصول إلى المعلومة أقل، وبالتالي يحتاجون إلى سياسة تحريرية مختلفة تختصر الخبر إلى أقصر صيغة ممكنة، تصل بالقارئ إلى المعلومة الرئيسية مباشرة.

كذلك الوسائط المتعددة يجب أن يكون لها دور فاعل أكثر مقارنة بالكلمة المكتوبة، فالصور ومقاطع الصوت والفيديو مواد معبرة وشائعة الاستخدام لدى مستخدمي المحمول، لذلك يجب أن تستغل بحيث تغني في أوقات كثيرة عن المادة المكتوبة، التي قد تكون أكثر إرهاقا ومللا.
أمر آخر يمكن استغلال التليفون المحمول فيه وهو التفاعلية بين المؤسسة الإعلامية أو الإعلامي والجمهور،ليس فقط من خلال التعليق على الأخبار وخلق حالة من الحوار والجدل حولها، ولكن أيضا من خلال إتاحة فرصة أكبر أمام صحافة الجمهور، فالجمهور يمكن أن يسبق الصحفي في الحصول على صور وفيديوهات لأحداث مفاجئة يكون الجمهور أقرب في الوصول إليها من الصحفيين، والتوسع في صحافة الجمهور يخلق حالة من الثقة والألفة بين الجمهور والمؤسسة الإعلامية، ويعتبر من أفضل وسائل الترويج، مما يعود بالنفع على المؤسسات الصحفية في النهاية.
الاختلاف بين الكمبيوتر والهاتف ملموس، ويحتاج من القائمين على الصحافة للتغيير والتطوير، فمتى سنرى تطبيقا إخباريا محترفا للهواتف الذكية؟ ومتى سندخل عصر ما بعد الصحافة الإلكترونية؟


(الشرق الأوسط)


AM:11:37:28/03/2015