"عصائب أهل".. الثقافة
علي السراي


اقتبسُ هنا من النائبِ عن حركة "عصائب أهل الحق"، عبد الأمير عتيبان، قوله في تصريحٍ نُشِرَ الأسبوع الماضي، "وزارة الثقافة استحقاقٌ لنا ونحن من علمنا الناس والعالم الثقافة (...) وكيف تتصرف وكيف تكون قدوة".

وحتى لا يبدو الاقتباس خارجاً عن سياقه فإن النائبَ كان يرد، غاضباً، على أثيل النجيفي، المحافظ السابق لنينوى، الذي اعترض على منحِ "جهةٍ تحملُ السلاحَ" حقيبةَ الثقافة
وحتى لا يكون الحكم على هذا الاجتزاء شمولياً، فقد يكون رد النائب العصائبي منفعلاً على خصم سياسي وعقائدي كالنجيفي، انضم إلى قافلة المعترضين على منح الثقافة لهذا الفصيل، الذي انتقل من كونه فصيلاً مسلحاً إلى جزء من النسيج السياسي.
نقدُ هذا التصريح، الواقع أصلاً في شباكٍ سهلة للنقد، سيكون تجارياً. وفي سياق الاستقطاب الحاد سيبدو استهدافاً سياسياً مدفوعاً.
لكن التصريح مناسبةٌ سانحةٌ لنقد المنظومة السياسية للحركة وجرّها إلى حوارٍ بشأن انسجام مشروعها أو افتراقه عمّا ندعيه "مستقبل الديمقراطية"، كما أنها مناسبةٌ حرجة لفهم ما سيتأثر به هذا "المستقبل" مع إصرارٍ واضح لهذه الحركة، الحركات الإسلامية بشقيها، على تولي وزارة كالثقافة.

ارتفع عددُ مقاعد الحركة في البرلمان الحالي إلى ١٥ مقعداً، بعد أن كان مقعداً واحداً فقط، وهي نقطة تحول مهمة في مسارها، إذ تصطاد مساحةَ تأثير فوقي، علاوة على وجودها الأفقي كحركة مسلحة منحها "حاكميةً" اجتماعية في زمن مضطرب. 

صورة "العصائب" في الذهنية الاجتماعية تتفق على هذه "الحاكمية" مع تناقض التفسير أو المصالح، بين حركة "قوية" حاربت تنظيم "داعش" وساندت القوات المسلحة، وبين حركة يثيرُ استخدام سلاحها العلني والمستتر مخاوف المجتمع من سلطان بذات دينية.
منذ أسبوعين، تلقت الحركة موجة اعتراضات على حصتها من كابينة عادل عبد المهدي. اعتراضات قائمة في ظاهرها على "المحاصصة" وترشيح شخص من خارج الوسط، لكنها تستبطن الخوف من وزير من "العصائب"، حتى جرى الاتفاق على إعادة صياغة الترشيح بحقيبة جديدة لـ"السياحة".

أول الأسئلة في هذا الحوار الافتراضي مع "العصائب" قادم من صورتها في الذهنية العامة، سواء كانت هذه الصورة قد تشكلت بخلفية مؤيدة لحركة حاربت الإرهاب، أو من رغبتها بجعل مفهومها مركزيةً للدولة والمجتمع، إذ نتحدث هنا عن وريث جديد للحركات الإسلامية يحمل مقاصد الشريعة، بل شقاً عقائدياً منها.
وفي هذا الجدل، أظن أن الحركة لم ترد على هذه الاعتراضات كما يجب أن ترد، ربما لأنها تريد تأجيل معاركها الثقافية وهي على باب الوزارة، واكتفت كما تفعل في مناسبات خطابية متعددة بتحميل الدولة "فضل" تحرير الأرض من "داعش"، في تأويلٍ مفضوح.

السؤال هنا، هل صورة "العصائب" وهي تعبرُ من الجبهة إلى السياسة، نمطيةٌ جرى الافتراء فيها، أم أنها "طبق الأصل" للشكل والمضمون.

في الأساس، إن واحداً من خطايا العملية السياسة هو رمي وزارة الثقافة في سلة مهملات المحاصصة، إن ميداناً حساساً مثل هذا أكثر سيادية من الحقائب السيادية ذاتها، لكن ولأنها بهذه الحساسية فإنها مهمة لحركات عقائدية سنية كانت أم شيعية.

لهذا، فإن الاعتراض على الأحزاب "كليةً" مُسبقٌ على "العصائب" نفسها، كما جرى الاعتراض على هذا السياق في الحكومات السابقة، بل والتفكير في إلغاء هذه الحقيبة وتحويلها إلى مجلس مستقل يتولى الدعم لا الصناعة التي تترك حريتها للفاعلين الحقيقيين، سوى أن هذا الاعتراض تورم اليوم مع توقعات عما ستنتجه حركة عقائدية، بل عقائدية من نوع خاص، للمشهد الثقافي.

لا أعرف إن كانت قيادة الحركة تستطيع أن تخوض حواراً حراً ينطلق من مثل هذه الأسئلة وغيرها، بدءاً من "كيف تدير جهة عقائدية وزارة كهذه وهي تحاذرُ الآخر قبل أن تلغيه؟ وانتهاءً بالسؤال عن رغبتها بجعل مقاصدها "الشرعية" اشتراطات مجتمعية، ومن باب الثقافة أولاً.


المدى 

AM:01:26:08/11/2018