“الصباح الجديد” وبيئة الشؤم العراقي الشاسع
إسماعيل زاير
إسماعيل زاير:
بين التقدم العسكري والانحطاط السياسي يترنح العراق ومعه المواطنون الذين فضل بعضهم الهرب الى الخارج بمئات الألوف.
 واعتدنا ان نشاهد المأساة الحاصلة بعين خارجية وكأن ما يحصل ليس في بلادنا. انما نبدأ بالقول ان عام 2015 كان عام شؤم على وطننا العراق. فداعش تمكنت من البقاء على ارضنا واتسعت سلطتها الشريرة لتطبق على اعناق ملايين العراقيين. ولكننا مع امتداد الايام في حياتنا المحتدمة بالتحولات السود رأينا اسوأ من ذلك بعامنا الحالي.

 كتبنا عند ابتداء الإنحراف الإخلاقي والسياسي للناشطين داخل الكتل وخارجها منبهين ومحذرين من ان يحل الظلام اذا استمر نسق الإستخفاف بالمستقبل العراقي الذي حرض عليه المقاولون ومشعلو الحرائق والمجموعات السياسية المتسلقة فوق جدار الوطن.. اليوم ثبتت نبوءتنا وها هو البلد في خضم انزلاقته المرعبة الى المجهول من دون ان نتمكن نحن ابناء العراق من ايقاف الإنزلاق.
اية احتفالات؟!
بالنسبة لصحيفتنا "الصباح الجديد” خططنا كل عام للاحتفاء بذكرى تأسيسنا ولكننا لم نتجرأ على الفرح ولا على الإنغمار بحفلتنا الخاصة.
 كنا نقول ان الجرح العراقي النازف يقتضي منا احترام مشاعر وقضايا الوطن والعمل على تحسين ادائنا الذاتي والموضوعي.
 اليوم نكرر الفعل ذاته ونتذكر مع اساتذة اعزاء واصدقاء نفخر بهم وزملاء مخلصين وشرفاء ايام السنين الماضية وتحديات العسف العاتية التي تركتنا مثلما يترك الإيتام لمصيرهم. خسرنا اكثر من 60% من كمية الأعلانات التي نعيش عليها وخسرنا مبالغ طائلة ما تزال في ذمة الدولة كديون لم تدفع منذ اعوام والله وحده يعرف متى ستدفع. وكان عزاؤنا ان العام الشاحب للصحافة اقترن بموت مرتزقة الإعلانات الذين اسسوا لإنفسهم صحفاً وهمية وعناوين وهمية يتلقون بواسطتها كميات كبيرة من الإعلانات وفقاً لميل وهوى الوزير او وكيله.

كان العام الماضي الذي فصلنا عن اليوم مؤلماً لأننا لم نكن قادرين على تغطية مصاريف ورواتب موظفينا لولا التضحية المشرفة من قبلهم بربع رواتبهم. او رواتب من تمكنا من الإحتفاظ به معنا، ونظرنا بحزن وغضب الى الذين اضطروا لمغادرتنا بسبب ضيق الميزانية. هل نتوجه بالتحية لهم؟ نعم والف نعم.هؤلاء المهنيون والشرفاء يستحقون الاحترام وهم اذا تركونا مرغمين جاءوا بين حين وحين ليلتمسوا بقية نكهة الوفاء التي قد تذوى من دون ان نتواصل.
عندما يستمر انزلاق العراق نحو الهاوية..
في العام الحالي نحن نردد منذ شهور ان العراق يتدحرج نحو الهاوية ويتدمر بنيانه وتذوي اشجاره الخضر وتذبل ملامحه وتبهت. ومع تدهورنا يبقى المقاولون يكتبون بحمية مرضية افتتاحيات بعد افتتاحيات مليئة بالهذيان والتلعثم عاجزين عن التذكر او التفكير.

 في ابسط سياقات التفكير نرى العراق وقد شحب وشلت مؤسساته فيما الكتل السياسية لا تعرف اين تذهب ولا كيف تتخلص من الذي بين يديها من سلطة تحولت الى كرة حارقة من نار. رأيناهم يطالبون بالإصلاح وبالقضاء على الفساد، ويطبلون ويزمرون بحب العراق وترابه وشعبه. فيما الفساد فيهم والتخريب الممنهج لبنية الدولة منهم. وانتقلوا في مشاهد مسرحية الطابع الى منصات خطابة ذكرتنا بمنصات الرمادي والحويجة والموصل التي تحولت الى منبت للداعشيين.. اليوم انبتت المنابر اولئك الذين خربوا البرلمان وحطموا الما حطموا بما في ذلك هيبة الدولة العراقية.
لم ينقلنا انفلات السيطرة على الهتافين المتنقلين بين مناطق بغداد يثيرون هلع البسطاء وخشيتهم الى بر او سفينة ـ صحيح ان الله انجانا من التحام بالنار بين المتظاهرين ورجال الامن ولكن النتائج النهائية لما فعلوه هو انهم خلطوا المشهد وشوشوه وشوهوا الرؤية السياسية. اليوم وبعد 30 نيسان نحن بلا مجلس نواب وبلا حكومة وبلا اصلاحات، وكأننا بمن قال عنهم يوسف الصايغ الراحل: يقولون لا تبعد وهم يدفنونني..

اذن تحل علينا الذكرى الثالثة عشرة بهذا السيل من الخراب الاسود والظلام وعدم الرؤية. وتطل علينا بمفارقات كبرى منها اننا اصلحنا مؤسسة الجيش الخربة في العام السابق ولكن المؤسسة السياسية توشك ان تتبعثر وتتحطم عجلاتها.
النفط في القاع..
في العام الماضي كان نفطنا يباع بـ 117 دولاراً للبرميل وها نحن نبيع النفط بأربعة واربعين ومؤسساتنا تبيع اقل من ذلك.
 لم تعد لدينا سياسة استثمارية ولا مخصصات استثمار لأن المال الذي في ايدينا نفد على الموظفين الذين يستنزفون 80 % واكثر من ثروة البلاد. ومع اننا كنا من اول المتضررين من سياسات الدول التي ساعدت على انهيار سوق النفط، طبعاً الى جانب اسباب تقنية، الا اننا بقينا في موقف المتفرج على سياسات من داخل اوبك، ولا سيما سياسات المملكة العربية السعودية، التي تمسكت بحصتها السوقية برغم تدهور الاسعار القاتل. واثارت مواقف وزارة النفط وسياساتها البطيئة والمتخلفة عن الركب عجبنا وما نزال.

 ويأتي كل ذلك ونحن ازاء استحقاقات ملحة منها هذا الجيش العملاق من العاطلين غير المنتجين الذين هم ثروة الكتل السياسية وقوتها الانتخابية. فالأحزاب مارست خلال السنوات الثلاث عشرة توظيف اتباعها خلال الحملات الانتخابية بما يجعل البلاد غير قادرة على النهوض على قدميها. لذا فمن المستحيل اقتطاع 30 بالمئة من مواردنا مثلا لتنويع الاقتصاد واصلاح المعامل العاطلة عن العمل او تعزيز المستوى التأهيلي للطلبة وتعميق الأبحاث المستجيبة للحاجات الوطنية الصناعية الملحة.

 على صعيد الجامعات انهارت المقاييس بالسماح لنمو واتساع الكليات والجامعات الخاصة التي تحتاج البلاد الى جيش كامل لمنع الغش في الامتحانات ومنع اعتداء الطلاب على المؤسسات الأكاديمية. وزحف جيش الغشاشين هذا الى الأحزاب وبيده شهادات تخرج مزورة ليطالب بحصة.
رعاة الفوضى..!
في عامنا الثالث عشر ننظر والحزن يمزق احشاءنا الى العراق وقد غدا موئلا لأصحاب العصابات السياسية وقادتهم الذين فرضوا على النواب رعباً وهددوهم وفرضوا على المؤسسات المختلفة ترويعهم مشجعين انصارهم المندسين في كل مكان الى العمل على ارغام العراقيين للامتثال الى ما يرونه من افكار وسفاهات فتحولت الوزارات الى مراكز لتنظيم التظاهرات ومخازن للسلاح والتنظيم..
 وبعضها تحول الى مكان للطبخ والتوزيع على رافعي راية التظاهر. واصبحنا نسمع عن نائب يهدد زملاؤه بالانصياع والتصويت او انه "بمكالمة واحدة سوف يدعو المتظاهرين الى الدخول الى البرلمان”.
هذا العام رأينا العجب من كتل سياسية تصمت ازاء من يتهمها ويعارضها.

والحقيقة ان موقفهم هذا لم يفهمه الناس.. النزاع، كما يقولون صار شيعياً ـ شيعياً، وماذا بعد ؟ النزاع على ماذا ؟ اهو النزاع على السلطة او المسؤولية ؟ النظرة المتأنية هنا تشير الى ان المتحاصصين ادركوا ان الأمر تجاوز الممكن او ما يمكن ان يتحمله الناس وان عليهم ان يفعلوا شيئاً ما غير الطنطنة بأنهم مع الإصلاح.. او انهم مع الفساد.. ويتذكر المواطن والقارئ الكريم ان اهل السلطة يوافقون على ضرورة الإصلاح ولكنهم يعترضون على أي برنامج اصلاحي..!

في العام الثالث عشر هذا شهدنا وسمعنا ورأينا كيف جرى توريط المرجعية الدينية في كل تفصيل ولكنهم لم يلتزموا او يمتثلوا الى نصائحها حتى وصل الأمر الى ان ينفض السيد السيستاني يده بعد ان ” بح صوته ". وهم اليوم يعلنون تبرمهم من غياب المرجعية. وبدلاً من الإلتفات الى القيمة الكريمة لهذا الموقف الضاغط عليهم ليتولوا امر البلاد التي خربوها وافقروها وشوهوا مظاهرها وملامحها بالسلوك المهين للسراق والفاسدين المنتشرين في كل وزارة وكل مؤسسة اقتصادية.

فبماذا يريدنا القارئ الكريم ان نحتفل مع انفسنا وقد تلمسنا نار التطرف ضدنا عندما قاد زعماء حملته لضرب الصباح الجديد وتفجيرها لأنه لم يفهم مغزى ممارستنا للعمل الصحفي المهني والمسؤول ؟ لقد دحرتنا جيوش الفوضويين والظلاميين ولكننا لم ننهار بعد وكما يقال اننا جرحنا ولكننا لم نموت..!
كلمة حتى العام المقبل..
صحيح اننا فخورون بالتقدم والصمود الذي قاده ونفذه ابناؤنا في الصحيفة لمواجهة الخلل المالي والسياسي والامني، ولكننا قلنا لهم اننا نرغب بالحصول على افضل الأخبار والقصص السياسية انما لا يجب ان يحدث ذلك بتعريض حياتكم للخطر.
 والخطر كبير.. واسوأ ما يمكن ان يتخيله رئيس تحرير مسؤول رؤية زملائه جثثاً يفتك بها القتلة والفاسدون.. ونحن هنا نود ان يعرف القارئ اننا نعرف الكثير من المعطيات عن قضايا تخص المصلحة العامة ولكننا لا نجرؤ على نشرها لأننا نخشى على حياة الزملاء وعلى حياة الصحيفة نفسها، ولهذا نطلب الصفح من المواطنين ومن المخلصين معتمدين على فهمهم وتقديرهم للضرر الحاصل على الشروط اليومية للممارسة الصحفية.

في عامنا الجديد سنعمل على ان لا ننشر تلك التصريحات والمقالات والتقارير التي تنشرها وكالات انباء مجرمة بحق المواطنين وبحق السياسة ونعرف انها ممولة من كتل واحزاب تفتقر لأبسط انواع الإلتزام الوطني البناء. هنالك وكالات انباء مجرمة تنشر معلومات وتصريحات مفتعلة ضد هذا المواطن او ذاك وتعرف بتزويرها ولا تخجل.

 والأكثر ايلاماً رؤية مقاولين انشأوا مؤسسات اعلامية وهم ينشرون كل ما يرغبون برؤيته وما يروق مصالحهم ومقاولاتهم السياسية دون ان يلتفتوا الى انهم غاطسون في الفساد ومساهمين فيه ومزورين للحقائق.


AM:03:31:15/05/2016