النزاهة تكشف عن السرّ
عدنان حسين



115 من أعضاء مجلس النواب العراقي (المؤلف من 328 عضواً) اختاروا أول من أمس أن يفرضوا على 37 مليون عراقي قانوناً سيئاً آخر يضمن لأحزابهم وقواهم الممسكة بمقاليد السلطة، مصدر النفوذ والثروة والفساد، المحافظة على سلطتها ونفوذها وفسادها.

من محاسن الصدف أنه بينما كان هؤلاء النواب يمرّرون قانون مجالس المحافظات تحت قبة البرلمان، كانت هيئة النزاهة تنظّم في مقرها الواقع على مرمى حجر من مبنى البرلمان في المنطقة الخضراء، مؤتمراً صحافياً للإعلان عن تقريرها نصف السنوي. كما في كل مرة حفل التقرير بوقائع تشيب لها رؤوس الاطفال عن الفساد في هذه الدولة التي تديرها أحزاب الـ 115 نائباً، لكنّها – وقائع هيئة النزاهة - لم تعد صادمة أو صاعقة لأحد في هذه البلاد، فهي مُعادة ومُكررة.

من هذه الوقائع أن 273 من أعضاء مجلس النواب لم يُفصحوا عن ذممهم المالية لهذا العام حتى الآن. وكان التقرير السنوي للهيئة الخاص بالعام 2016 ، قد أوضح أن 216 من هؤلاء الاعضاء لم يفصحوا عن ذممهم، فيما القانون المشرّع من مجلس النواب ذاته يُلزم النواب والوزراء وسواهم من موظفي الدرجات العليا والخاصة في الدولة بالإفصاح عن ذممهم قبل نهاية شهر كانون الثاني من كل عام. رئاسة مجلس النواب التي كانت متحمّسة لتمرير قانون الانتخابات السيّئ، لم تفعل هذا العام ولا العام الماضي، شيئاً على صعيد الإجراءات اللازمة لإرغام أو إقناع أعضاء المجلس على الإفصاح عن ذممهم، مثلما هي لا تفعل شيئاً في حق المتغيّبين طويلاً عن جلسات المجلس في تعدٍّ صارخ على النظام الداخلي للمجلس وعلى أحكام الدستور (الفاسدون يعملون بقاعدة: شيّلني وأشيّلك).

الأعضاء الـ 115 الذين اختاروا أن يصوّتوا لصالح قانون انتخابات المحافظات، متحدّين الإرادة الشعبية الرافضة للقانون بصيغته المُمرّرة ( تظاهرات الجمعة الماضية التي شارك فيها عشرات الآلاف في بغداد والمحافظات الأخرى والحملات القوية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي) .. هؤلاء النواب لابدّ أنهم جميعاً أو أغلبتهم الساحقة بين الـ 273 الذين لم يُفصحوا عن ذممهم المالية هذا العام والـ 216 الذين فعلوا الشيء نفسه العام الماضي.

لماذا يُعاند هؤلاء النواب في عدم الوفاء بالتزامهم القانوني والأخلاقي؟ .. لا سبب مُرجّحاً ولا مسوغ مُحتملاً غير أنهم يخشون انكشاف أمر فسادهم.

النواب الـ 115 الذي مرّروا قانون الانتخابات يمثّلون القوى الكبيرة المتحكّمة بالدولة، التحالف الوطني، وبخاصة دولة القانون، والتحالف الكردستاني وتحالف القوى. وقائع الفساد التي تكشف عنها هيئة النزاهة في تقاريرها الدورية تتعلق بوزراء ومدراء ونواب من هذه القوى بالذات .. لهذا السبب يصوّت نواب هذه القوى لصالح قانون انتخابات يستند إلى صيغة (سانت ليغو 1.7) تؤدي إلى مصادرة أصوات الناخبين ومنحها إلى مرشحين لا ينتخبونهم من هذه القوى ذاتها.

شكراً هيئة النزاهة، فلقد أفصحتم علناً عن سرّ لم يكن خافياً علينا في الواقع.


 NUJI


AM:04:31:14/08/2017