صراع الوسائل الإعلامية للتأثير في الشارع العراقي
وسام الحِجّاج
تتكون العملية الاتصالية في الإعلام من (مرسل، رسالة، أداة، مستقبِل، ورجع الصدى) ويقصد برجع الصدى مدى تأثير الرسالة في المستقبلِ الذي هو أفراد المجتمع، إذ كانت وسائل الإعلام في السابق تنتظر رجع الصدى عبر رسائل القراء واتصالاتهم بالصحيفة أو الإذاعة وتعبيرهم عن آرائهم حول المواضيع التي يتم طرحها.
 
أما مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي فلم يعد الإعلام حكراً على وسائل الإعلام وإنما أصبح كل مواطن إعلامياً، وأصبحت للشائعة بيئة أكثر رواجاً وأوسع تأثيراً وأسرع انتشاراً، وأصبح رجع الصدى سريعاً جداً. فقدكانت الشائعة تنتشر بين أوساط الناس وتنتهي إلى الإعلام في محاولة لتأكيدها أو تكذيبها، أما الآن فالعملية الاتصالية انقلبت بالعكس وأصبح التداول في مواقع التواصل قبل انتشاره في الشارع. فالشائعة وجدت البيئة المثالية للانتشار حيث يمكنها أن تنتشر خلال دقائق في عدة رقعة جغرافية كبيرة، وتتطور وتؤثر في الرأي العام وليس من السهولة السيطرة عليها. وكلما حاولت جهة أن تسيطر أو تمنع الشائعة يصبح لها رواجاً أكبر على اعتبار أن هنالك جهات تمنعها.
 
كل متتبع للأحداث في العراق عامة والبصرة بشكل خاص، يرى بسرعة ودونما حاجة للتدقيق وقوّة الملاحظة أن الحكومة بشقيها (المحلي، والمركزي) دائماً ما تلجأ إلى حلول الترقيع، وإخفاء الحقائق، و«الطمطمة» لأي حدث تراه قد يثير حفيظة الشارع العراقي.
 
وأقصد بـ«الطمطمة»هذا المصطلح الجديد الذي أدخلته عنوة على لغتنا هو محاولات الحكومة البائسة في نفي الخبر وإعطاء مبررات واهية أو محاولة رمي الاتهام على جهةأخرى خارج إطارها، والشجب والاستنكار.. وكأن الحكومة تتنصل عن مسؤولياتها لتبرر عجزها.
 
وقد جرت في البصرة العشرات من عمليات «الطمطمة» ونفي الحدث، ومنها انفجار شارع عبد الله بن علي الذي أصرّ بعض المسؤولين على القولبأنه تماس كهربائي أدى إلى انفجار مولدة كهرباء لإحدى العمارات، إلى أن تم إلقاء القبض على المجرمين واعترافهم بالتفجير ومحاكمتهم.
 
وحادث تفجير ميناء أم قصر الذي تم نفيه تماماً وعدم الاعتراف به.. رغم أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الفاعلين وتم اعترافهم وظهروا في بعض البرامج الفضائية وهم يعترفون داخل موقع الحادث في عملية (كشف الدلالة).
 
ولا أريد سرد كل الأحداث ولكن هنالك حادث أثار حفيظتي، وهو عندما سقطت ابنة أخي في مجاري منطقتنا التي لم تكتمل بسبب تلكؤ الشركة المنفذة وأدى الحادث إلى وفاتها بعد أن دخلتالعشيرةفي استنفار عام للبحث عنها أكثر من 18 ساعة ابتداءً من الثالثة ظهراً عند فقد الأم للطفلة وحتى اليوم الثاني عندما طفحت الجثّة في مياه «المنهولة».. ورغم أن منطقة الحدث قريبة جداً من بيوت رجال المجلس البلدي إلا أننا فوجئنا بخروج مسؤول الإعلام في المجلس البلدي لمنطقتنا في اليوم الذي تلا الحادث، وتصريحه لوسائل الإعلام موضحاً أن الطفلة التي سقطت في المجاري خرجت ليلاً دون علم أهلها، وألقى باللائمة على أهل الطفلة الذين لم ينتبهوا إلى بنتهم عند خروجها.. في الوقت الذي كان بإمكانه الاعتراف بالحادث وإلقاء اللوم على الشركة المنفذة أو تبرير تلكؤها بسبب عجز الميزانية العامة وانشغال العراق بالحرب.. وعندما تم لومه وتوبيخه من قبل شخصيات عشائرية اتصل بالفضائية التي نشرت الخبر وطلب منهم حذف تصريحه.
 
ما أريد الوصول إليه هو أن الحكومة عندما تلجأ إلى هذا الأسلوب الإعلامي الرخيص من عدم الاعتراف بالحادث ومحاولة قلب الواقع وتغيير الأحداث والنتائج فإن هذا يؤدي إلى:
 
اولا/ فقدان الثقة: فالمواطن عندما يشاهد الحكومة وهي تحاول نسج الأكاذيب من أجل تغيير الحقائق وإبراز صورتها بالشكل الجميل والبريء، فإن المواطن سوف يكذّب كل خبر تنشره وسائل إعلام الحكومة وسيعتبر كل ما تقوله الحكومة كذباً وتلفيقاً.
 
ثانيا/ إن المواطن سوف يترك الاستماع وقراءة وسائل الإعلام والصحافة الحكومية وكل وسيلة إعلام تتصل بها من قريب أو بعيد. وهذا يعني أنه سيلجأ إلى وسائل الإعلام الأخرى والتي سيكون جزء كبير منها إعلام معادي للحكومة. وبالتالي فإن الإعلام المعادي يبث سمومه عبر نشر أخبار صحيحة وتحليل مغرض لها يثير الفزع والإحباط في نفوس أبناء المجتمع العراقي، ويؤجج الرأي العام ضد الحكومة.
 
ثالثا/ لجوء المواطن إلى تصديق الشائعات التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما يثير الشارع ويؤلّب الرأي ضد الحكومة وأي قرار تتخذه أو أي علاج تحاول فيه تصحيح وضع خاطئ. فالشائعة أصبحت اليوم سلاحاً بيد أعداء العراق يستطيعون من خلاله شن أي هجمة ضد الحكومة وإلحاق الأذى بالشعب العراقي، وتأجيج الرأي العام وتأليب الشارع.
 
لقد أمسى من السهل اليوم تحشيد الشارع العراقي تجاه أية قضية، حيث يمكن تمرير أية شائعة بشكل سهل جداً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتوليد قناعات لدى أبناء المجتمع بهذه القضية، كالتسقيط والتشهير وكذلك التأثير التجاري والتأثير الأمني وغيره.
 
نأمل أن يصل الشعب العراقي إلى المستوى المعرفي والوعي الثقافي الذي يستطيع خلاله أن يشخّص الشائعات ويقف بالضد منها، لأنها وباء يجتاح المجتمع ويعمل على تثبيط عزيمته.
 
كما نأمل من الحكومة أن تعمل على كسب ثقة الشعب من خلال نشر الحقائق بعيداً عن اللف والدوران ومحاولة تغيير الحقائق أو نفيها وعدم الاعتراف بها.. فالمجتمع العراقي اليوم أنهكته الشائعات، والشباب العراقي اليوم يحمل رغبة في كشف الحقائق وتشخيص الشائعات وإحباط تأثيرها. فالشباب العراقي يعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ويأمل أن يعيش بسلام ووئام بعيداً عن تأثيرات أعداء العراق ونشر شائعاتهم.
 

AM:04:42:27/02/2017