حلقة مفرغة ندور فيها، حيث يُنتهك حق الأفراد، لا سيما الأطفال والطفلات والنساء، في الخصوصية والحماية لتسليط الضوء على احتياجاتهم، فنعريهم ونعرضهم لمخاطر مضاعفة.
طالعنا مقدم البرامج جو معلوف في مقابلة خلال برنامج "صار الوقت”، بمقاربته الخاصة حول الآثار النفسية المتأتية عن الحرب على لبنان والمخاطر التي ستترتب عن إهمال التدخل النفسي والاجتماعي، وهي احتياجات قد تفوق بأهميتها الاحتياجات الأساسية كالأكل والملبس والتدفئة.
أكد معلوف أهمية التواصل بين الأهل والأطفال والطفلات واحترام حقوقهم/ن، ولكنه أشار خلال حديثه بلغة تعميمية الى ثقافة النازحين، من ثم تدارك ليقول إنها "ثقافة عامة”، لا تحترم أهمية التواصل مع الأطفال والطفلات.
وللتأكيد على احتياجات الأطفال والطفلات، عرض معلوف تقريراً من إعداد فيليب أبو زيد تخللته مقابلات مع أطفال وطفلات في أماكن النزوح، وانتهى مع طفل يؤكد استعداده للانتقام من إسرائيل لقتلها "الشهيد السيد نصرالله” كما جاء على لسان الطفل.
أشار معلوف مدعوماً بتأكيد من معد التقرير، الى ضغوط حزبية على أماكن النزوح تجهد لترسيخ هذه الرسائل والعبارات.
المفارقة الأبرز كانت في تركيز معلوف ومعد التقرير على الآثار المترتبة على فرض تلقين سياسي أيديولوجي للأطفال وخطورته، لكنهما ارتأيا عرض كلام الطفل كما هو من دون توضيح أي سياق .
هكذا بكل سهولة وفي منتهى التبسيط، تمت التضحية بالطفل وبحقه بالحماية، بحجة تأكيد ضرورة تحييد الأطفال وعدم زجّهم في خيارات سياسية انتقامية. وتم توظيف كلمات الطفل للتأكيد أن أحداً ما لقّنه إياها.
وبهذا التصرف، ضحى الصحافي بحق الطفل في أن يكون محمياً من التلاعب الإعلامي، وجعل صوته في خدمة رواية سياسية معينة، متجاهلًا تماماً حقه في الخصوصية والأمان النفسي.
لم ينسَ معلوف تدعيم مصداقيته عبر توجيه تحية الى قاضية، والتعريج على ذكر بعض الجمعيات، وتأكيد أن له أصدقاء في منظمة اليونيسف يزوّدونه بالمعلومات.
وفي اليوم نفسه، شهدت قناة "الجديد” على حادثة أخرى تُعد انتهاكاً لحقوق النساء في الحماية، لا سيما العاملات الأجنبيات، في مبادرة هدفت في الأصل إلى دعم قضية هؤلاء العاملات اللواتي وجدن أنفسهن على الطرقات هاربات من المناطق التي تتعرض للقصف. إذ استضاف الإعلامي غدي بو موسى سيدتين تطوعتا لتوفير مأوى لهن.
جالت الكاميرا في الملجأ الذي وفرته السيدتان، متطفلةً على خصوصية العاملات بطريقة فجة. فيما استصرح بو موسى "البنات”، كما سماهن، عن ظروف وجودهن من دون مأوى، كما أجرى مقابلة مع المتطوعتين عن الخدمات التي يتم توفيرها والمتابعة القانونية والإجراءات المتعلقة بتسفير العاملات إلى بلادهن.
تسقط وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تناقض أخلاقي تحت حجة إثبات الحاجة إلى الحماية. فكيف بإمكاننا إثبات أن الأطفال أو النساء بحاجة إلى الحماية في حين نقع في مستنقع الانتهاكات.
بدأت الاتصالات ترد الى القناة بغية تقديم مساعدات، حينها عبرت المتطوعتان عن أهمية عدم الإفصاح عن مكان المأوى حفاظاً على سلامة العاملات وعملاً بالسياسات الحمائية المعتمدة بالملاجئ الخاصة بالنساء. فكانت ردة فعل بو موسى بأن رفض كلام المتطوعتين قائلاً إنه إعلامي ويعرف واجباته، وإن له الحق بمشاركة إحداثيات الملجأ مع الراغبين في المساعدة.
وهكذا رأينا بو موسى يشارك مكان الملجأ مع كل متصل أو متصلة، معرياً بذلك النساء من حقهن بالحماية تحت حجة المساعدة.
على رغم أن الأطفال والنساء يتعرضون، في ظل الأزمات والصراعات، لمخاطر مضاعفة بسبب هشاشتهم الاجتماعية والنفسية، فإن وسائل الإعلام غالباً ما تستغلّ تلك الهشاشة، غير مدركة أو متجاهلة أن حق الحماية والخصوصية لهذه الفئات هو جزء لا يتجزأ من استجابة ملائمة لاحتياجاتها. وعليه، تفرض تغطية الأزمات تحديات أخلاقية وقانونية على الإعلام، فتجاهل مبادئ الحماية الأساسية لا يمكن أن يكون مبرراً بأي حال من الأحوال لإظهار الحاجة إلى الحماية أو إثبات حقيقة معينة.
هكذا، تسقط وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تناقض أخلاقي تحت حجة إثبات الحاجة إلى الحماية. فكيف بإمكاننا إثبات أن الأطفال أو النساء بحاجة إلى الحماية في حين نقع في مستنقع الانتهاكات.
يحدث ذلك كله في ظل تخبُّط الأجهزة الحكومية في التعاطي مع أزمة تبدو مفتوحة على خيارات استجابة أثبتت فشلها. فها هي منظمة الأغذية العالمية ترصد ملايين الدولارات لتأمين وجبات غذائية قد تسبب التسمم في حال لم تؤمن طرق التوصيل الآمنة لها، علماً أن العائلات النازحة ليست قاصرة عن تحضير مأكولات تتناسب مع احتياجاتها إذا ما توافرت لها المواد الأولية.
وها هي الحملات الفردية تجري على قدم وساق لشراء ثياب ووهبها للعائلات النازحة، علماً أن تلك العائلات أكثر قدرة على شراء ما تحتاجه إذا أُعطيت الإمكانات.
حلقة مفرغة ندور فيها، حيث يُنتهك حق الأفراد، لا سيما الأطفال والطفلات والنساء، في الخصوصية والحماية لتسليط الضوء على احتياجاتهم، فنعريهم ونعرضهم لمخاطر مضاعفة.
-Daraj