وفقًا للتقرير السنوي الصادر عن معهد رويترز بعنوان "اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2025"، والذي نُشر في 9 يناير/كانون الثاني 2025، فإنّ الثقة في صناعة الأخبار منخفضة مع دخولنا عام 2025، ويستند هذا التقرير إلى استطلاع الرأي الذي شمل 326 من القادة العاملين في المجال الرقمي من 51 دولة وإقليمًا.
وفي الأسبوع الذي تخلت فيه شركة ميتا عن مسؤولياتها في التحقق من المعلومات، يبدو أن لويز بيترسون، رئيسة تحرير Sjællandske Medier، كانت على حق بالفعل بقولها: "إنهم يريدون الاستفادة من المحتوى الفريد الذي ننتجه، لكنهم يرفضون الاعتراف بنا، سواء من خلال زيادة حركة المرور أو الدفع".
وفي السياق نفسه، أشار ماثياس ستريتز، رئيس قسم الابتكار التحريري في مجلة دير شبيجل، إلى أنه "في حين توقفت بعض المنصات، مثل (إكس)، عن الاهتمام بالمعلومات الصحيحة تمامًا، ما زالت هناك منصات أخرى تظل ثابتة، كما نشأت فرص جديدة مثيرة للاهتمام خاصة عبر بعض منصات الذكاء الاصطناعي".
وقد أعرب القادة الجُدد عن قلقهم إزاء التحديات العديدة التي يحملها العام المُقبل؛ بدءًا من التكنولوجيا التي ستجعل الأكاذيب أكثر إقناعًا، مرورًا بالسياسيين الذين يفرضون قيودًا صارمة على الصحافة، وصولاً إلى صعوبة استقطاب المواهب، وتراجع الإيرادات، وصعوبة تقديم التقارير في ظل سيطرة صُناع محتوى أكثر ضجيجًا والذين لا يتبنون القيم نفسها.
ويرى ستريتز، ومؤلفا التقرير نيك نيومان وفيديريكا تشيروبيني، أنّ هناك بارقة أمل في المشهد: "فأوقات التغيير تفتح آفاقًا جديدة من الفرص، كما أن جزءًا كبيرًا من مهمة قادة الأخبار في العام المُقبل يكمن بإعادة تعريف دور وقيمة المؤسسات الصحفية في ظل عصر الاستقطاب، والمعلومات المُضللة، والوفرة الهائلة في المحتوى الإعلامي، وذلك بطريقة تتماشى مع تطلعات كل من الموظفين والجماهير".
ما الإيجابيات والفرص المُتاحة لغرفة الأخبار الخاصة بكم في المشهد الفوضوي؟
[Read more: تدقيق المعلومات وأبرز التحديات لعام 2025]
حان الوقت للتعاون ضد شركات الذكاء الاصطناعي
يتوقع (74%) من قادة الأخبار انخفاضًا في حركة البحث الإحالية نحو مواقعهم الإلكترونية، وهو نزوح مشابه لما شهدته منصات مملوكة لشركة ميتا مثل فيسبوك (67%)، وإكس بنسبة (50%) خلال العامين الماضيين. وعلى الرغم من أن بيانات Chartbeat لا تدعم المخاوف المتعلقة بحركة البحث، فإن ظهور خدمة البحث التي يُقدّمها شات جي بي تي، ومراجعات الذكاء الاصطناعي من جوجل قد يُعمّق الفجوة بين شركات الأخبار الكبيرة والصغيرة.
وقد أشار التقرير إلى أن معظم المشاركين فيه ينتمون إلى مؤسسات إخبارية لا تمتلك اتفاقيات مع شركات الذكاء الاصطناعي (أو من غير المرجح أن تحصل عليها). ويرى حوالي ثلاثة أرباع المشاركين (72%) أن الحل الوحيد هو إيجاد اتفاقيات جماعية تعود بالنفع على المنظومة الإخبارية بأكملها، وهو توجه بدأت ملامحه في الظهور.
اللحاق بركب الفيديوهات الاجتماعية
قامت منصتا إكس وفيسبوك بقطع معظم روابطهما مع صناعة الأخبار، وسيكون رد الناشرين بالمثل، حيث سيزيدون من حضورهم على منصات الفيديو الاجتماعية مثل يوتيوب بنسبة 52%، وتيك توك بنسبة 48%، وإنستجرام المملوكة لشركة ميتا بنسبة 43%؛ وذلك أملاً في جذب الشباب وجني الأرباح في هذه العملية.
وتُعتبر شركات الذكاء الاصطناعي، مثل Perplexity، وOpenAI بنسبة 56% من بين الجهات الوحيدة التي تحظى باهتمام متزايد لدى قادة الأخبار.
اتساع نطاق استخدام تقنية الصوت
ليس من الصعب فهم السبب؛ إذ يعتقد 87% من المشاركين في الاستطلاع أنّ غرف الأخبار الخاصة بهم تشهد تحولاً بسبب شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي، كما تشهد تقنية الصوت تطورًا كبيرًا، مما يمنح الناشرين خيارات موثوقة لتحويل النص إلى صوت العكس صحيح وذلك بنسبة تصل إلى 75%، مما يجعلها في صدارة تطبيقات الذكاء الاصطناعي المُوجهة للجمهور. وكان المثال الأبرز لعام 2024 هو اختيار مجلة تايم دونالد ترامب كشخصية العام.
ومن المجالات التي تستحق المتابعة تقنية الوكلاء الأذكياء، التي تمتلك القدرة على تنفيذ مجموعة من المهام نيابة عن المستخدم، مثل البحث وحجز المواعيد وغيرها. ومن المرجح أن تتفوق هذه التقنية على أجهزة الصوت وخصوصًا في تجاوز العقبات المتعلقة بجودة الاستجابات. ويعتقد واحد من كل خمسة من قادة الأخبار أن هذه التقنية ستكون الخطوة الكبيرة التالية، في حين يعتقد واحد من كل عشرة أنها ستكون مجرد ظاهرة مؤقتة.
أنظمة الاشتراكات في عام 2025
أما السبب الآخر الذي يدفع القادة إلى إعطاء الأولوية لشركات الذكاء الاصطناعي هو توقعهم لأرباح مالية وشيكة. ويعتقد 36% منهم أن التمويل من المنصات سيكون المصدر الرئيسي للإيرادات في العام المُقبل، مع توقع إبرام صفقات مُربحة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وستستمر الاشتراكات الرقمية، حيث يعتقد معظم المشاركين أنها ستشهد زيادة طفيفة وذلك بنسبة تبلغ 45%. ومن المتوقع رؤية المزيد من العروض المجمعة التي توفر الراحة والتكاليف، وهي التجربة المستوحاة من نموذج صحيفة نيويورك تايمز، أما القادة الذين لم يقدموا بعد منتجات مرتبطة بالمحتوى الإخباري، فإنهم يخططون أو يفكرون في إضافة الألعاب (29%)، والتعليم (26%)، والمراجعات (14%)، والرياضة (14%)، والطعام (13%). وعلى الرغم من صغر حجمها، تُعد التبرعات المصدر الوحيد الآخر للإيرادات الذي يشهد نموًا ملحوظًا وذلك بنسبة 19%.
منشئو المحتوى مستعدون لعقد شراكات تعاونية
ويركز 73% من المشاركين على المنتجات الموجهة للشباب هذا العام كوسيلة لجذب جيل Z. ويتأثر هذا الجيل بشكل متزايد بالشخصيات الإلكترونية التي "تتحدث لغتهم"، ولا ينبغي التقليل من تأثيرهم. ويشمل ذلك الصحفيين الذين دمجوا بين التقارير الإخبارية والتنسيقات الحديثة، بالإضافة إلى صُناع المحتوى الذين يروّجون لنظريات المؤامرة.
وما زال النقاش قائمًا حول ما إذا كان انجذاب الجماهير الشابة نحو المؤثرين أمرًا إيجابيًا أم سلبيًا بالنسبة للصحافة. ومع ذلك، يبقى خيار آخر متاحًا: إيجاد طرق للعمل مع صُناع المحتوى الذين كسبوا ثقة جيل Z.
ويعتبر موقع الأخبار الروماني PressOne مثالاً جيدًا على ذلك، حيث أقام شراكة مع المُؤثرين على مدار السنوات الثلاث الماضية. وأشارت مالينا جيندو مديرة وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود فائدة متبادلة للجانبين؛ إذ تمكنت المؤسسة الإخبارية من اكتشاف جمهور أصغر سنًا عبر منصة إنستجرام، بينما عزز المؤثرون مصداقيتهم.
اتباع نهج تجزئة المحتوى
لم يكن الشباب وحدهم المستفيدين من اتباع نهج أكثر توازنًا، بل إن الجماهير من جميع الأعمار تعاني من الإرهاق والسلبية الناجمين عن عالم تجتاحه باستمرار الحروب والكوارث الطبيعية وجرائم القتل.
ويبدو أن الاتجاه السائد يميل نحو تبسيط الأخبار إلى أجزاء يمكن استيعابها. وتُعد الشروحات اليومية، والبودكاست، والتصوير الفوتوغرافي من بين الطرق الرئيسية التي يعتمد عليها قادة الأخبار للوصول إلى الجمهور بمعلومات أساسية فقط.
إنه الوقت المناسب للصحفيين المحترفين في مجال تكنولوجيا المعلومات
تتطلب الاتجاهات الحديثة- من الذكاء الاصطناعي التوليدي، واستراتيجية الفيديو الاجتماعي، وتطوير المنتجات- اكتساب مهارات جديدة باستمرار في غرفة الأخبار، مما يجعل المواهب ذات قيمة عالية، والاحتفاظ بها ضرورة مُلحة.
وبينما يشعر قادة الأخبار بالثقة في قدرتهم على جذب المواهب العامة بنسبة (85٪)، والنُخبوية في مجال التحرير بنسبة (81٪)، إلا أن ثقتهم تتراجع بشكل كبير في مجال المنتجات والتصميم بنسبة (59٪)، وعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي بنسبة (41٪) ومهندسي البرمجيات بنسبة (38٪).
ويشير ذلك إلى أهمية أن يعمل الصحفيون على تطوير مهاراتهم في الجوانب التكنولوجية لتحسين فرصهم المهنية.
المصدر/ شبكة الصحفيين الدوليين