أشارت بيانات صدرت حديثاً إلى أن «المحتوى المسموع حقق إيرادات واعدة للناشرين، وأن هذا القطاع شهد نمواً لافتاً خلال العام الماضي»، وهو ما عدَّه خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» فرصه للصحافة الرقمية لتحقيق مزيد من الأرباح وتحقيق معدلات أفضل للوصول إلى المستخدمين.
التقرير الفصلي الصادر في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، بالتعاون بين جمعية الناشرين على الإنترنت (AOP) وشركة «ديلويت»، والهادف إلى تتبع وتحليل اتجاهات إيرادات النشر الرقمي، كان قد أشار إلى «نمو لافت في المحتوى المسموع».
وذكر التقرير أنه منذ أن بدأ تتبع الإيرادات الرقمية الصوتية في الربع الثالث من 2020، التي تشمل «البودكاست» والإصدارات الصوتية للمقالات، شهد هذا القطاع نمواً هائلاً، إذ زادت الإيرادات أكثر من عشرين ضعفاً. وأضاف أنه «على الرغم من أن الصوت لا يزال يمثل حصة صغيرة من إجمالي الإيرادات (2 في المائة تقريباً)، فإنه أصبح مصدراً موثوقاً للنمو».
الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في الإمارات العربية المتحدة، قال إن المؤسسات الصحافية تتجه إلى تحويل المادة الصحافية الإخبارية أو المقالات إلى «بودكاست» أو مقالات مسموعة، ورأى هذا «اتجاهاً يتيح للجمهور الاستماع إلى الأخبار في أثناء التنقل أو أداء أنشطة أخرى، إذ يُعد البودكاست وسيلة شائعة للاستهلاك الإعلامي بين الشباب وكبار السن على حدٍّ سواء، وقد يمنح المؤسسات الصحافية فرصة للوصول إلى شرائح جديدة من الجمهور. كما يمكن للمحتوى المسموع أن يعزز التفاعل مع الجمهور من خلال إضافة مقابلات حصرية أو نقاشات معمَّقة حول القضايا المطروحة».
وعزز سعد كلامه بالبيانات، فقال: «تشير الإحصاءات إلى نمو مطَّرد في سوق البودكاست، حيث من المتوقع أن يصل حجمه إلى 94.22 مليار دولار بحلول عام 2028». ووفقاً لتقرير صادر عن «إديسون ريسيرتش» استمع 57 في المائة من الأميركيين إلى «البودكاست» شهرياً خلال عام 2023 مقارنةً بـ40 في المائة في 2018. كذلك بيَّنت دراسة أجرتها مؤسسة «إنترآكتيف آدفيرتايزينغ بيرو»، (Interactive Advertising)، في عام 2023 أن الإعلانات في «البودكاست» تتمتع بمعدلات استماع وتفاعل أعلى مقارنةً بالإعلانات في وسائل الإعلام الأخرى، حسب سعد.
وأضاف الدكتور سعد: «يُعد التحول إلى المحتوى المسموع فرصة كبيرة للمؤسسات الصحافية لتعزيز الوصول إلى جمهور جديد... من خلال تقديم محتوى عالي الجودة والتفاعل مع الجمهور، يمكن للمؤسسات الصحافية تحقيق النجاح في هذا المجال». وحول سبل تحقيق الناشرين أرباحاً من المحتوى المسموع، قال: «يمكن للمؤسسات الصحافية تضمين إعلانات مدفوعة في البودكاست والمقالات المسموعة الخاصة بها. كما يمكن تقديم محتوى حصري أو مميز للمستمعين الذين يدفعون اشتراكات شهرية أو سنوية». وتابع: «أيضاً يمكن للمؤسسات الصحافية التعاون مع شركات أو علامات تجارية لرعاية البودكاست أو المقالات المسموعة».
من جهة ثانية، أفاد التقرير السنوي لمعهد «رويترز لدراسة الصحافة» لعام 2025 بأن غالبية الناشرين يخططون في العام الجاري لتعزيز استخدام التقنيات التي تتيح تحويل المقالات النصّية إلى محتوى صوتي، حيث أبدى 75 في المائة من المشاركين في التقرير اهتماماً بهذه الميزة، وأن «المنصات التكنولوجية تعمل هذا العام على تطوير وترويج تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسهم في خروج المحتوى المسموع، مثل «تشات جي بي تي» من «أوبن إيه آي» الذي بات مزوّداً بميزات صوتية متقدمة.
الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، يرى أن أمام الرهان على المحتوى المسموع كثيراً من الفرص الواعدة لا سيما مع تطويع الذكاء الاصطناعي. وأوضح: «يمكن للمؤسسات البدء بتحويل المقالات المكتوبة إلى مقاطع صوتية باستخدام تقنيات الصوت البشرية أو الذكاء الاصطناعي... هذا سيساعد على الوصول إلى جمهور لا يملك وقتاً للقراءة». وأضاف: «توفر منصات مثل (إكس سبيس) و(لينكد إن أوديو) فرصاً للصحافيين لعقد نقاشات صوتية مباشرة مع الجمهور، مما يعزّز التفاعل والثقة».
واستشهد موسى بنماذج حققت أرباحاً بفضل المحتوى المسموع، فذكر أن أحد أبرز النماذج يتمثل في نظام الاشتراكات المدفوعة، حيث يجري تقديم محتوى حصري للمشتركين، كما تفعل منصات مثل «نيويورك تايمز» أو «فاينانشيال تايمز». ويتيح هذا النموذج للمؤسسات الإعلامية تحقيق دخل ثابت من جمهور مستعد لدفع مقابل الحصول على محتوى متميز وتحليلات معمقة.
وقال موسى أيضاً إنه يمكن أيضاً الاستفادة من البرامج الإعلانية التي توفرها منصات مثل «سبوتيفاي» التي تسمح بمشاركة الأرباح مع الناشرين، كما يمكن تبني نماذج التمويل الجماهيري عبر منصات مثل «باترون» و«باي مي كوفي»، إذ «يسهم الجمهور مباشرةً في دعم المحتوى الصوتي الذي يجدونه ذا قيمة».
المصدر/ الشرق الاوسط