يتسلل الكاتب بول بولز إلى جانب الروائي وليام بوروز، الشاعر ألن غينسبرغ، الكاتب المسرحي تينيسي وليامز، وجان جينيه إلى أجواء هذا الفيلم، من دون أن يُذكر أي شيء عنهم وكيف عاشوا الحلم الأدبي المغربي. يتسللون أيضا إلى ذاكرة المشاهد فقط لأنهم كانوا يكتبون في المغرب في يوم ما!
تلك بارقة مصباح متقد توقده المدن المغربية في ذاكرة اللغة لتمنحها المزيد من الخيال. سيتعيّن علينا أن نعيش بالنيابة عن الممثلة لورا ديرن في بطولتها لفيلم "كوكب وحيد” الذي تلعب فيه دور الروائية كاثرين التي تمت دعوتها إلى منتجع في جبال الأطلس في المغرب، على أمل التخلص من جمودها في الكتابة وإكمال روايتها الجديدة التي تأخرت أكثر مما ينبغي.
السر يكمن هنا في أن المغرب قد استقطب على مدار عقود كبار الكتّاب من أجل الكتابة وحدها، وفي هذا الفيلم تجتمع نخبة من الروائيين الغربيين على أمل الحصول على فسحة تخلصهم من أغلال العقد المصفد في مدنهم وفك نحس اللغة عندما تكون عصية على الترويض.
ولكن بدلاً من ذلك تلتقي كاثرين بالشاب الوسيم أوين "ليام هيمسورث” الذي يعمل في مجال الاستثمار العقاري ولا يتوقف هاتفه عن الرنين مع فرق الوقت بين نيويورك وفاس، جاء أوين مع صديقته ليلي "ديانا سيلفرز” التي تأمل في كتابة روايتها الثانية ومدن المغرب وحدها كفيلة بتطويع اللغة لها.
تسمح لنا سوزانا غرانت كاتبة ومخرجة فيلم "كوكب وحيد” بقدر ضئيل من التشكك في طبيعة الاستثمار الضار الذي يمارسه أوين في عمله. بيد أننا ننجرف معه في حب كاثرين بعد حماقة صديقته ليلي وخيانتها مع روائي ليبي رافي عبدو "يونس بوسيف” الذي كتب مذكرات عن أيامه كجندي صغير في ليبيا "كأنه يجسد شيئا من سيرة الروائي الليبي هشام مطر!” تواجد عبدو في منتجع الروائيين بفاس من أجل كتاب جديد.
وهكذا نعيش في انفتاح قلب كاثرين تدريجيا على احتمالات رومانسية يصفو بعدها ذهنها لرواية جديدة تطوع اللغة لأن هذا الشاب أوين حاضر فيها. وبعد أن حذرته بطريقة "أيها الولد” من أن تحبه، في أول محاولة لتقبيلها مع فارق السن بينهما الذي يصل إلى عقدين، فهل كانت تحذر نفسها أم تحذره!
هذا الفيلم مليء بالإشارات الأدبية التي تضفي لمسة من الأناقة على لغة الكتابة. إنه ليس فيلما بإمكانيات إنتاجية ضخمة. ومع ذلك فإنه جدير بمتعته الرومانسية الجذابة، كما هي فكرته الحالمة بأن قصة حب غير متوقعة قد تنتظرك بعد رحلة غير متوقعة إلى منتجع مغربي يجمع كبار الأدباء في العالم من أجل هدف شاق لتطويع اللغة التي لا يجدونها في مدنهم.
تقدم ديرن البصيرة الحزينة التي يحاول السيناريو تقديمها، ولكنها لا تستطيع استحضارها تماما. إنها تلعب بشكل حاد دور شخص يتخلى تدريجيا عن نفسه، ويستسلم لحظة حب على الرغم من الحذر الذي اكتسبته بجدارة.
ومع ذلك، فإننا نتفهم شغف كاثرين الروائية الناجحة إبداعيا والمدمرة شخصيا، فها هو شخص مختلف تماما عن أولئك الموجودين في دوائرها الأدبية، شخص بسيط ودود ومنفتح على المحادثات العميقة. مع أنه غير مهتم بالكتب.
تسير مؤلفة ومخرجة الفيلم الذي أنتجته "نيتفلكس 2024” بالضبط إلى حيث يتوقع المرء أن تسير، ولكن هذه الصيغة تحظى بشعبية لسبب وجيه. فالخيالات مثل هذه يمكن أن ترضي لهفة المشاهد.
يعيد فيلم "كوكب وحيد” المشاهد العربي إلى المغرب، كما أنه يقدم للمشاهد الغربي الصورة التلقائية للأسرة المغربية وكرمها الباذخ للغرباء عندما تدخلهم المصادفة وحدها إلى بيوتهم البسيطة.
بودي أن أسال عن أي "خبز حافٍ” سيتحدث محمد شكري لو تسنى له أن يكون بين كتّاب "كوكب وحيد”؟