الإعلام شبكة أمان اجتماعية
عائشة بلحاج
لم يعد المجتمع شبكة منظّمةً من البشر، أو مراتب اجتماعية فقط، بل صار قائماً على علاقاتٍ لامتناهيةِ الأشكال، وبفاعلين معروفين بتوجّهاتهم وهواجسهم، وقيمهم أمام طفرةِ الإعلام الاجتماعي الذي صار المجتمع أمامه علبةً مكشوفة الغطاء. ولم يعدْ هذا المجتمع متّكلاً على الدولة لاستمراره، مُلقياً بالمسؤولية كاملة على عاتقها في وضعٍ سلبي، لا يُحرّك ساكناً في حالات الطّوارئ، ما عدا المبادرات القليلة لبعض الفئات والأشخاص.

مع تراجع دور التنظيمات الوسيطة ومكانتها (الأحزاب والجمعيات بشكل رئيسي) في الحفاظ على الرّابطة الاجتماعية، يأتي الفعل التّضامني المستقل ليأخذ المبادرة، عبر أشكال عديدة، منها استعمال الفضاء العام من أجل حشد الجهود التّضامنية في قضيّةٍ عامة أو خاصة، وذلك في وقتٍ تتزايد فيه الضّغوط على الفئات الأكثر هشاشة، وتغتني فيه الفئات الأكثر غنى، في ظلّ إجراءات النيولبيرالية التي توسّع الفوارق الاجتماعية.

ولطالما عُرف التّضامن بالفعل الذي يقوم به المجتمع المدني في صيغ مختلفة، أو الأفراد. لكنّه مع النمو السكاني وزيادة نسب التمدّن، تجاوز هذا الفهم العام، ليُسائل الدولة الحديثة في الأدوار الاجتماعية التي التزمت بها، لتوفير شروط الحياة الكريمة للأفراد، ويُحرجها بفعاليّته التي تفوقها أحياناً، رغم حيازتها مواردَ لا تقارن بموارد الأفراد.

وبالنّظر إلى الدور الذي يلعبه الإعلام في حياة الإنسان المعاصر، نشأت أشكال من التّضامن تستند على الإعلام، خاصّة الإعلام الاجتماعي الذي صار مساهماً رئيساً في جهود التضامن، متماهياً مع الأنواع المعروفة للتّضامن. من قبيل التّضامن الميكانيكي الذي تعتمده المجتمعات التقليدية والمتديّنة، حيث للأفراد القدر نفسه من المسؤوليات والأعمال؛ من دون الحاجة إلى تقسيم مستمر للأدوار، لأنه ينشأ على القرابة والدين، ويرتكز على الشّعور بالانتماء إلى المجموعة نفسها.

فاق الإعلام الحاجة الاقتصادية والعلاقات الأسرية في التأثير والتغيير السريع، لأنه يتوجّه إلى الفرد كما يتوجّه إلى الجماعة

على عكس التضامن العُضوي الذي تتّسم به المجتمعات الأكثر حداثة، التي وسّعت من هامش الحريات والمعتقدات، مع الحفاظ على الرّوابط بينها، لأنّ التّنظيم الاجتماعي قائم على نظامٍ دقيق لتحديد الأدوار، وفق معايير مجرّدة. ويأتي التضامن الاقتصادي، ليوفّر فرص عمل متساوية من أجل حياة كريمة، مركّزاً على المستوى الأفقي، بين فئات هشّة تتضامن من أجل توفير مطالب الحياة، من قبيل التعاونيات، والمقاولات العائلية الصّغيرة، حيث تجتمع الجهود والكفاءات البسيطة من أجل إنجاز مشاريع قائمة على التعاضد.


دور الإعلام في تعزيز التضامن الاجتماعي
تجاوزت الثورة التي خلقها الإعلام على العلاقات الاجتماعية أي مؤثّر آخر في المدى والقوّة والسّرعة. إذ ما من عامل آخر استطاع إعادة تركيب الروابط الاجتماعية حوله مثله. فالإعلام فاق الحاجة الاقتصادية والعلاقات الأسرية في التأثير والتغيير السريع، لأنه يتوجّه إلى الفرد كما يتوجّه إلى الجماعة، وكلّ منهم يجد نفسه هناك، كالمرآة.

يتخذ التضامن على مستوى الإعلام بُعدين اثنين؛ الأول تواصلي عمودي مع السلطة المعنية، والثاني على مستوى التواصل الأفقي مع الأفراد، الذين يمكن لهم التّضامن مع الفعل المعني. ينطبق هذا المنطق، على جيران التواصل الاجتماعي، حيث يجتمع مجموعة من الأفراد للتنسيق والتشاور حول وضع يهمهم سعياً إلى إيجاد حلول عملية. فيمثلون سلطة تشاورية ديمقراطية، وسلطة تنفيذية ناتجة عنها. ليحقّقوا عبر وسائل التواصل، الديمقراطية المفتقدة في الواقع العربي. ودور الإعلام، هنا أنه يمنح للفرد أدوات تفعيل الهاجس التضامني.

الإعلام عامل تأثير على سلوك الإنسان
لهذا لطالما وجد الخطاب الإعلامي نفسه أمام تحدّيات كبيرة تواكب تأثيره، من أجل تسويق الأفكار الإيجابية التي تخدم المجتمع، وتعبّر عن أزماته وإشكالاته. منها النشاط الكثيف للإعلام ذو الانتماءات الدينية والطائفية، بما في ذلك وسائل الإعلام الاجتماعية، في التضامن المادي والمعنوي مع قضايا محدّدة. هنا، يعود التضامن الميكانيكي، ويجرّ الإعلام إلى حظيرته الضيّقة. ويُطرح هنا أيضاً قابلية الجمهور لهذا النّوع من الحملات، فالتّحفيز هنا متبادل؛ الإعلام يوجّه الجمهور والعكس أيضاً، بالإقبال على منتجات إعلامية دون أخرى.

كان التّضامن من أهم العناصر والقيم التي ساهمت السوشيال ميديا في ازدهارها

من خلال طفرة الإعلام، ورغم التعارض الأولي، إلّا أنّ هناك تفاعلًا بين الإعلامَين التقليدي والاجتماعي الذي لم يعد إعلاماً بديلاً، فأيّ قضية يطرحها الإعلام التقليدي يتداولها الإعلام الاجتماعي، والشيء نفسه في الاتجاه المعاكس. لكن مع غلبة واضحة للإعلام الاجتماعي. فوسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون، مقصّرة في الفعل التضامني، ودورها في الكوارث ضعيف ومتأخر، ولنا في المغرب نموذج "زلزال الحوز" السنة الماضية.

ففي الوقت الذي كانت وسائل التواصل تغلي بالدعوات إلى التّضامن والمبادرات، والأخبار التي نقلتها قوافل التضامن، كانت القنوات بعيدة وغير معنية، لهذا دخلت متأخّرة إلى المجال. وعندما فعلت ظلّت متمسّكة بالخط المتعلّق بمواكبة المساهمات، ولم تقدّم الجانب الآخر، وهو النقص البيّن، أو التقصير المحتمل في أماكن مختلفة لتقود حملة التضامن.

صناعة التضامن الرقمي
منذ عقد ونصف، طغى التفاعل بين الواقع والتواصل عن بعد على تفاعلنا مع الآخرين، وكان التّضامن من أهم العناصر والقيم التي ساهمت السوشيال ميديا في ازدهارها. وهي أيضاً منابر للمدافعين عن حقوق الإنسان، لتسليط الضوء على قضايا خاصة بهدف الحشد والتوعية. وهو ما يقوم به بعض المدوّنين أو المؤثرين ذوي الوعي والمعرفة.

ولم تعد مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً افتراضياً للتواصل، بل تعدّت ذلك إلى القيام بأنشطة تضامنية تأخذ بعداً إنسانياً واسعاً، تنطلق من بيئةٍ رقمية إلى الواقع. ونجم عن ذلك بروز نمط جديد من التّضامن بين الناس، يجسّد مشاعر إنسانية قد يصفها البعض بـ"الـرقمية". حيث تتبنى الصفحات وسماً (هاشتاغ) عن قضية أو مشكلة اجتماعية، تحظى باهتمام أفراد المجتمع، وتنتشر العدوى عبر الحسابات الخاصة والعامة.

التضامن المستقل للإنسان الرقمي
في ظلّ تغيّر الخريطة المعرفية والمجتمعية بدخول التكنولوجيا، تغيّرت أيضاً الخريطة السّلوكية، بما فيها الخريطة التضامنية. ممّا أنشأ نمطاً من التضامن يمكن أن نُطلق عليه "التّضامن المستقل" الذي يحدث خارج المؤسسات، وخارج التضامن الميكانيكي للمجتمعات البسيطة، والعضوي لدى المجتمعات المتطوّرة. فهو غير قائم على تفاعلٍ لحظي وعفوي كما في النموذج الأول، أو مؤسّساتي كما في النموذج الثاني.

بل يتأتّى عن طريق قيام موجة من التواصل، انطلاقاً من مبادرة فرد أو مجموعة أفراد بإطلاق رسالةٍ مفتوحة، ليس لها نطاق محدّد، ولا سقف لحجم تأثيرها. وحتى أصحابها لا علم لهم بحجم الصّدى الذي قد تخلّفه، لأنّه صدى مؤقت، ويتعلّق بفعل واحد لا مجموعة أفعال، وقد يكون المتجاوبون معه أفراداً أو مؤسسات. وقد يكون القائم به فرداً واحداً، أو مجموعة أفراد أو مؤسسات. لكنه فعل مستقل في حجمه وصداه عن بقية الأفعال التضامنية. ربما يكون مُستوحى من أفعال أخرى، أو قد يأتي ضمن موجة أفعال أخرى، لكنه مستقل في أثره ونجاحه أو عدم نجاحه، في تحقيق الأهداف المرجوة منه.

يضغط الإعلام على السلطة الثالثة، لحثها على القيام بواجبها لحماية الحقوق وإنصاف الفئات الهشة، عبر التضامن معها

الفعل التضامني هنا، ناتج عن الانصراف عن الانتماءات الحزبية والنقابية والجمعوية التي تُيتِّم القضايا الاجتماعية، أو يجعلها تعيش فيما يشبه بيت زوجة الأب، التي تستغلها لصالحها بدل أن تمنحها الرعاية والاهتمام، وتقدّمها إلى الجماعة بما يليق بها. ويمكن وصف ما يقوم به بعض المبادرين إلى الفعل التضامني بالتبني الحقيقي، وليس التبني المجازي الذي تعوّدنا على استعماله لغوياً. فالمبادر، سواء كان فرداً أم مجموعة أفراد، يقوم بإعلام الرأي العام والمجتمع بوجود قضيّة تستدعي الفعل التّضامني معها، مع تقديم تفاصيل الأشخاص وقصصهم، أو الفعل الذي يدعون إلى التّضامن معه. مثل الدّعوة إلى جمع المواد الغذائية لمنطقة منكوبة، أو إلى دعم شخص طُرد من عمله طرداً تعسّفياً، على خلفية قيامه بمهام نقابية، أو لجمع الجهود للتضامن مع فئةٍ ظُلمت في حقّها في الشغل. كما حدث في امتحانات المحاماة في المغرب منذ سنتين، أو مع الأساتذة المتعاقدين.


كما ينشط الفعل التّضامني الإعلامي، في ميادين مختلفة، مثل الإنصاف القضائي للضّحايا، من قبيل الفتيات ضحايا الاغتصاب. حيث كان لقيام الجمعيات المساندة للطفلة المغربية إكرام التي حُكم على مُغتصبها بسنتين سجناً فقط، باطلاع الرأي العام على الظلم الذي لحق الضّحية عبر حملاتٍ إعلامية. فأثارت القضية تفاعلاً واسعاً، وتنديداً قوياً أدى إلى إعادة النّظر في الحكم الصّادر على المتهم بشكلٍ جذري، ليتحوّل إلى عشرين سنة في مرحلة الاستئناف. هنا يقوم الإعلام وهو السلطة الرابعة، بالضغط على السلطة الثالثة، لحثها على القيام بواجبها لحماية الحقوق وإنصاف الفئات الهشّة، عبر التضامن معها.

امتدّ هذا التأثير إلى السلطة المحلية، حيث كان الإعلام حاضراً للتضامن مع حالات انتهاك حقوق مواطنين، بحيث أدى ذلك الى إعادة الحقوق في بعض الحالات، بل إلى معاقبة رجال السلطة المعنيين. ويتجه التضامن هنا عمودياً إلى المؤسسات من أجل دفعها إلى إنصاف الذين ظلمتهم.

هذا في حالات ناجحة، فيما لم ينجح التّضامن الذي يقوده الإعلام إلى تحقيق المرجو في حالاتٍ معينة، بسبب تعنّت الجهة المسؤولة، أو بسبب كبر الفئة المعنية أو ضعف التجاوب الجماعي مع الحملة. وقد يحدث ذلك بسبب ضعف مصداقية القائمين بالفعل التّضامني، أو ضعف الحملة في حدِّ ذاتها، بسبب غياب شروط الرسالة التضامنية.

تأثير التضامن المستقل
يمكن الاقتراب من فهم التضامن المستقل، باستعمال مصطلح "الأُخوّة الرقمية"، التي تحقّقت عبر الوعي الفائق، الذي غيّر قيمنا، ومسّ عواطفنا وحمّلنا المسؤولية تجاه الآخرين البعيدين عنا جغرافياً، والمختلفين ثقافياً. وتؤثر وسائل الإعلام بحسب الوظائف وطريقة استخدامها، والظروف المحيطة بالعمل المجتمعي الذي تُلقي عليه الضوء. من خلال تغيير مواقف الرأي العام تجاه أحداث ومواقف أو تأثير معرفي تجاه حدث أو قضيّة، يؤدي العلم بها إلى تحريك التضامن الاجتماعي حولها، ولفت اهتمام الرأي العام، لحشد الأنصار والمتعاطفين معها. وهناك نوعان من التأثير:

تأثيرٌ قصير الأمد: يعتمد على تضامن ينشأ حول حدث مؤقّت، ينتهي التضامن مع طيّ ملفه. وأحياناً قبلها إذا تعرّضت القضية للتخريب من أطراف معادية لها، فيؤدي الحشد المضاد إلى تلاشي التّضامن. ويُحدث أحياناً تأثيراً وجيزاً للغاية، بحدوث استجابة سريعة من الأفراد تجاه مسألة أو حالة، في فترة قصيرة لمدّة أيام أو أسابيع، ثم تنتهي سريعاً.

تساهم معرفة الخصائص النفسية للمتلقي وتكييف الرسالة وفقها، في نجاح العملية الإقناعية

تأثير طويل الأمد: يحدث في حالات أوضاع دائمة، أو حالات واسعة الآثار مثل الكوارث الطبيعية المستمرة، أو الظروف المعيشية الصعبة. وينشأ غالباً تحت وقع التعرّض المتكرّر للمحتوى المتضامِن. لكن، لا تُحدث كلّ الحملات التضامنية التي تطلقها الجمعيات الخيرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأثرَ المطلوب في مكوّنات المجتمع. إذ تتباين نسبة الاستجابة على أرض الواقع، تبعاً لطبيعة الرسائل والمواضيع التي قامت عليها الحملات، ومدى استعمالها لآليات إقناع متمكّنة، لجلب انتباه الجمهور الافتراضي إلى الانخراط في العمل التضامني، سواء بالتفاعل مع الحالة المعنية أو مع العمل التضامني في المجمل.

وعلى المبادرات التضامنية تحويل مرتادي وسائل التواصل من جمهورٍ افتراضي يتفاعل إلكترونياً مع منشورات التضامن، إلى منخرطين على أرض الواقع. وتكمن الإيجابيات في سرعة الوصول إلى المعلومة، وإلغاء العوائق الجغرافية والمسافات، وإظهار الوجه الاجتماعي أو الإنساني للأحداث.

وتقع مسؤولية كبيرة على المؤسسات، سواء الرسمية، أو مؤسسات المجتمع المدني، من أجل تحفيز الإعلام وإشراكه. ونلاحظ كيف فعلت الدول ذلك في حالة وباء كورونا أعوام 2020-2022. إذ كان انخراط الإعلام بدعوة من المسؤولين في حملة التوعية والتحسيس، بل التوجيه والإجبار. فهي من ينقل الإجراءات التّشديدية التي يجب أن يخضع لها الأفراد لحماية المجتمع، مع نقل لصور الإجبار ومظاهره، مثل صور الانتشار الكثيف لسيارات الأمن في الشوارع، وحالات توقيف أشخاص إثر خرق إجراءات السلامة التي قرّرتها السلطات.

أساليب تطوير استراتيجية للعمل مع وسائل الإعلام
لتمديد أثر التضامن الرقمي لتجاوز المبادرات الفردية، تحتاج منظمات المجتمع المدني، إلى تطوير علاقات عمل مهنية إيجابية مبنية على التواصل الشفّاف والمستمر مع الصحافيين والناشطين على وسائل التواصل. في المقابل، يجب على وسائل الإعلام أن تكون حذرة عند نشر أيّ مواد إعلامية من مواقع الكوارث، وأن تقدّر مستوى المخاطر وتبعات نشر مثل هذه المواد، نظراً إلى إمكانية انعكاسه سلباً على حياة المتضرّرين، أو فرق الإنقاذ الهادفة إلى تقديم المساعدة.

ولأنّ حملات التضامن تنجح عبر وسائل التواصل بالحشد المجتمعي، بناءً على قوّة القضية أو القِصّة وكاريزما القائم بالتواصل، ممّا يحدث فعلاً تضامنياً لا تقوى عليه أقوى المؤسسات. يمكن القول إنّ القضية نفسها هي الحكم في نجاح التضامن، لتتيح السوشيال ميديا والوعي المشترك، الذي خلقته بين أشخاص لا تجمعهم أيّ رابطةٍ من أيّ نوع، مجالاً واسعاً للفعل التضامني.


الفرق كبير بين المساعدة في الحدّ من الأضرار، واستثمار الكوارث للحصول على سبق إعلامي واهتمام شخصي على حساب معاناة الضحايا

كذلك، تساهم معرفة الخصائص النفسية للمتلقي وتكييف الرسالة وفقها، في نجاح العملية الإقناعية. لذلك، يرتبط نجاح الأنشطة الخيرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ارتباطاً وثيقاً بالجوانب النفسية والعاطفية للمتلقي الذي يستجيب لحملات التبرّع بالدم أو بالمال أو المشاركة في أعمال تطوّعية لتنظيف المحيط، تبعاً إلى تأثره بقصص معينة وطريقة عرضها عبر هذه المواقع.

ويمكن أن تصل الرسالة التضامنية بعدّة طرق، من دون انتهاك "حرمة التضامن الإنساني". فالكثير من الصور التي تُبثّ في مختلف وسائل الإعلام، تحدث شرخاً نفسياً للأطفال وعائلاتهم. فأثر الصورة له حدّان، قد يحدث تأثيراً أكبر في فعالية التضامن، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى آثار نفسية مدمرة، لدى الأفراد موضوع التضامن أو لدى الجمهور المتلقي.

ونشهد باستمرار الطريقة التي يروّج بها الإعلام صورَ ضحايا الكوارث الطبيعية، من دون أخذ إذنهم فيصبحون واجهة إعلامية للمآسي. وهذا حدث في زلزال الحوز مع سيدة مراكشية صارت الوجه الإعلامي للكارثة، من دون إذنها. فاستعمل الإعلام مصابها من أجل إنعاش منتوجه من دون أن تقدّم حتى تعويضاً بسيطاً، على مصابها وعلى استغلال وضعها.

فالفرق كبير بين المساعدة في الحدّ من الأضرار، واستثمار الكوارث للحصول على سبق إعلامي واهتمام شخصي على حساب معاناة الضحايا. مع الإشارة إلى أنّ فكرة كون وسائل التواصل الاجتماعي منصّة رقمية للتحرّر من الوساطة الاجتماعية والسياسية، تُحجب ما يثبت أنّها تسهم أيضاً في إعادة إنتاج الذاتيات التي تجدّد تكيّفها مع المجتمع التجاري، وهذا ما يسهم في بناء هوية الشّخصية الدّعائية السّاعية إلى تحقيق أرباح مادية، أكثر من الناشط الاجتماعي الذي يسعى إلى توعية المجتمع.

PM:11:50:29/12/2024