من بديهيات أعمال بعض رجال الأعمال على مستوى العالم في دعوات ولائمهم على موائد غداء أو عشاء عمل، استضافة غادة حسناء، وربما أكثر، تبعا للعدد المزمع دخوله فى صفقة أو مشروع ما، وذلك من قبيل تلطيف الأجواء، وتحجيم الاندفاعات وتخدير التوترات، ودغدغة تصلب الشرايين، والإمعان المتمهل فى بنود التفاصيل، ودراسة الجدوى لزوايا الطرح والقبول، والهدوء والدعة والأناة والروية والتجوال المستشرف للرؤى والخطط المستقبلية، واستسلام السلام عوضا عن مشقة المقاومة وفرهدة النضال.. وربما أخرست نظرة انبهار انتقائية جانبية من حسناء الاستضافة نيّة اعتراض فى طريقها للبزوغ على السطح، وقد تضم ملامح تشجيع فى ثناياها الغضّة البضّة ما يدفع المتردد لفورية التوقيع على جميع بنود العقد ومستنسخاته الأربعين... هذا ويختلف الأمر على مستوى الدوائر السياسية الرفيعة، حيث يُفضل أصحاب مثل تلك الاجتماعات اصطحاب الابن الذى شبّ على العود لتدريبه على دخول المعترك وممارسة حضور مسارات الحوارات المصيرية، ليرى بعينيه ويسمع بأذنيه كيفية الصمود أمام طرح لا يليق، ومتى يتم تجاهل السؤال القضية، وكيف ينتقى المسئول سؤالا من آخر الصف يستشف من مظهر صاحبه عن سذاجة الاستفسار أو عن إعداد مسبق من خلف الكواليس بهدف عدم توريط المذنب بذنبه، ليُجيبه ببديهية الأخذ والرد التى لا تصيب ولا تخيب ولا تبل الريق.
وأبدًا ليس بالزج المتعمد، ولا بالحضور المكثف، ولا بالدفع الممنهج، ولا باللعب في الصندوق، يملأ الابن الباهت مكانة الأب المؤثر ــ بوش الأب والابن ــ لكنه فى بعض الحالات النادرة تُسكب جينات موهبة الأب بلا شوائب فى شرايين الابن ليشب شبلا من ذاك الأسد، وكمثال الأديب العالمى «ألكسندر دوماس» الابن صاحب «غادة الكاميليا» من الأب ألكسندر دوماس صاحب «الكونت دى مونت كريستو، وسقوط الباستيل»، والنجم «مايكل دوجلاس» بطل «جوهرة النيل» من الأب «كيرك دوجلاس» بطل «سبارتاكوس»، ومصممة المجوهرات وأدوات التجميل «بالوما» من الأب الرسام «بابلو بيكاسو»، والنجمة «جيرالدين شابلن» من الأب «شارلى شابلن»، والموهوبتين «إيمى ودنيا» من الأب «سمير غانم ودلال عبدالعزيز»، وكمثال للتدريب على أرض الطبيعة اصطحاب الرئيس ترامب لابنه «بارون» فارع الطول ــ 2.6 متر ــ فى حفل التنصيب، ليتجه بارون قبل الخروج فى نهاية الحفل إلى «جو بايدن» الرئيس الذى انتهت ولايته ليهمس فى أذنه ببضع كلمات ــ سجلت الكاميرات وقعها المتخاذل على وجهه ــ ليتجمد مكانه مأزوما محصورا، لتذكر المواقع بعدها أنها كانت رسالة موجعة من الأب حملها الابن المتدرب ــ المراسلة ــ للغريم المخذول الواقع الآن فى مرمى قذائف دونالد، وآخرها قوله إن الشىء الوحيد الذى كان يُجيده بايدن هو النوم، وأنه ما لمس شيئا إلا وحوله إلى كارثة، وأنه أسوأ رئيس فى التاريخ.
شرفة الطفولة فوق أكتاف الملياردير فى البيت الأبيض
أما أحدث موضات الاصطحاب للمواقع والاجتماعات المهمة فليس للحسناوات ولا للأبناء الكبار، وإنما للعيال. تحت سن الرابعة ونازل.. أحدث وأصغر طفل فى هذا المجال هو الصغير X ابن الملياردير إيلون ماسك آخر عنقود دستة أولاده، ولم تتم الصحبة فى حديقة أولونابرك أو نادى اجتماعى.. وإنما.. فى البيت الأبيض.. فى المكتب البيضاوى.. بحضور مراسلى الصحف والإعلام.. المكتب التاريخى التنفيذى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذى أنشىء فى 1909 وجلس إليه غالبية الرؤساء بداية من وليام هوارد تافت ليتعاقب عليه تيودور روزفلت وكل من جاء من بعده من كيندى وكارتر وبوش وأوباما وبايدن.. الصغير X بالبالطو والقميص لم يجلس فى ركن منزو أو فوق مقعد جانبى وإنما أشرف من عليائه فوق أكتاف أغنى رجل فى الوجود على العالم الموجود، وكان عندما يصيبه الملل يغطى نظر والده بالكاسكيت المصاحب لملابسه الكاجوال، وربما كانت تلك التغطية واجبة عندما أرادت مندوبة قناة العربية أن يدلى ماسك باعتذاره حول الادعاء ــ الذى جدده ترامب من بعده – بإرسال أمريكا واقيات ذكورية لحماس بـ50 مليون دولار استخدموها كقنابل ضد اسرائيل ــ فاعتذر الملياردير من وراء حجاب الكاسكيت بتصحيح الزلل بأن الرسالة كانت لموزمبيق وليس لحماس.. وهذه ليست المرة الأولى التى يصحب فيها ماسك أطفاله معه لأماكن لا يخول للكثيرين رؤيتها، من صالونات رجال أعمال، لاجتماعات مع زعماء أجانب، إلى غرف التحكم فى إطلاق المركبات لاستكشاف الفضاء، وتبادلوا الهدايا مع رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودى»، بينما يناقش والدهم قضايا التكنولوجيا والابتكار مع الزعيم الهندى، وحضروا اجتماع والدهم مع الرئيس أردوغان، وكان لهم تواجد مميز فى الحفل التذكارى بمعسكر اعتقال أوشفير، وفى حفل مجلة «تايم» عند اختيار ماسك كشخصية العام فى 2021، وظهروا بشكل متكرر منذ اختار ترامب والدهم لتولى وزارة الكفاءة الحكومية التى استحدثها مؤخرا لقيادتها.
وأبدًا لا يعيب المحللون وأطباء النفس فى الولايات المتحدة اصطحاب الأطفال في المواقع الهامة، ويرجعون ذلك لارتباط الآباء العاطفي المبالغ فيه عند بعض الأشخاص، أو كما يفسر «كيرت برادوك» أُستاذ الاتصال الجماهيرى بالجامعة الأمريكية بنيويورك بأن اصطحاب الأطفال فى العديد من أماكن الظهور العامة ما هو سوى منهج سياسى لجعل الاجتماع يبدو أكثر مصداقية وشفافية وجاذبية، مع إعطائه مسحة انسانية تكتسب على الفور من إطار براءة الطفولة وصدق المشاعر تجاهها، إلى جانب أن وجود الأطفال فى حد ذاته يشتت الأفكار تبعا لعفوية حركاتهم التى تسرق الكاميرا عن الأمور المتأزمة القائمة ــ كان عادل إمام يدفع بطفل الحارة المبتل رث الثياب سائل الأنف لأحضان الثرى جميل راتب فى جولاته الانتخابية ليكتسب تأييدا عاطفيا على مستوى القاعدة الشعبية ــ وهناك تقليد فى أعياد الأسرة الحاكمة البريطانية باتخاذ لقطة تذكارية لجميع أفراد الأسرة كبارا وصغارا وأطفالا فى واجهة الشرفة الرئيسة لقصر باكنجهام، وأبدًا لا تنسى لقطة تتوسطها الملكة اليزابيث وسط العائلة الملكية وعلى الطرف الأميرة ديانا قد عقصت وسطها لتستطيع حمل الابن هارى فى وضع لا يختلف عن أى أم فى أحراش افريقيا.
فى المكتب البيضاوى العيل زهق من بعد تربعه فوق المنصة البشرية العلوية فوق الأكتاف لمدة نصف ساعة.. نزل يلعب على الأرض ــ مثلما ظهر فى لقطة قديمة جون الصغير ابن الرئيس كيندى ذات يوم وهو يلعب تحت أقدام والده فى المكتب البيضاوى ــ لتلتقى عيناه بنظرات شذره من الرجل الكبير ترامب وفى مرحلة ما بدا وكأنه يطلب منه الصمت الذى لم يستطع الامتثال له طويلا ليدفعه الملل للالتصاق بالمكتب واللعب بأصبعه الطفولى فى أنفه لينظفه بعدها فى الخشب، ويتابع الرئيس الفعل الشائن رغم جدية النقاش على الجانب الآخر فى حضور رجال الإعلام، فيؤجل القرار للصباح التالى بتغيير المكتب الرئاسى للطراز Resoult ومن المؤكد أن هذا التصرف اللامتوقع قد ترك شيئا فى صدر إيلون ماسك التى اعترضت زوجته «جرايمز» الموسيقية الكندية على اصطحاب صغيرها منذ البداية، لكنها كما قالت: لا نستطيع كبح جماح إيلون فى أى من قراراته خاصة بالنسبة لأولاده»، وتعد جرايمز الزوجة الثالثة لماسك التى أنجبت له ثلاثة أبناء «إكسا» الكبرى، وشقيقها «تكنوميكاريوس» والصغير "X” والمتداول أن إيلون قد ارتبط علنيا بخمسة نساء أنجبن له دستة من الأولاد غالبهم من التوائم، إلى جانب مولود أخير فى سبيله للاعتراف به من بعد إثبات النسب.
إيلون ماسك (28 يونيو 1971) الرجل الحديدى الذى لا ينام سوى ست ساعات ويعمل 120 ساعة فى الأسبوع.. أكثر الرجال نفوذا فى العالم، أغنى رجل على وجه البسيطة، فتقدر ثروته بأكثر من 477 مليار دولار وقيمة شركاته أكثر من تريليون.. كريستوفر كولومبس العصر الحديث.. صائد الفضاء.. عبقري التكنولوجيا.. رائد الإنترنت.. أول من زرع شريحة فى مخ بشرى للتعافى، وفى الطريق اختراع مذهل لإعادة البصر للمواليد المكفوفين.. وصيته أن يدفن على سطح المريخ فالطموح بلا حدود، والحلم المخطط له يتعدى الأرض ويزاوج ما بين المجرات ويطلق الصواريخ ويعيدها لمواقعها، ويصمم منصات فضائية مستقبلية لإسكان البشر، والاستغناء عن البترول والسيارة الكهربائية وقطار الهايبرلوب الذى ينقل الركاب عبر الأنفاق فى ثوان دون الحاجة للمرور بمسافات طويلة أو زحام الطرق التقليدية، وموبايل معمر بمائة دولار بإمكانات مذهلة يتم شحنه بالطاقة الشمسية واختراع «الواجهة الحاسوبية للدماغ» التى يعمل نظامها على فك شفرة إشارات الدماغ وترجمتها إلى أوامر للأجهزة الخارجية، وهو الاختراع الذى يقول عنه صاحبه ماسك «إنه الشىء الذى لم أقم به من قبل»، وفى مجال الروبوت المتقدم أعلن على سبيل الدعابة عن زواجه من الروبوت «كتانيللا» التى قام بتصنيعها ليقع فى غرامها بعدما صممت بواسطة الذكاء الاصطناعى شخصية الأنثى التى طالما حلم بها، فهى مزودة بوسائل تكنولوجية تجعلها تستشعر الحزن والسعادة وجميع المشاعر التى يمر بها، ورغم هذا الإعجاب فقد حذر ماسك أكثر من مرة من أن الذكاء الاصطناعى أخطر على البشرية من القنابل النووية، لأنه يمثل تهديدا وجوديا، وفي هذا المجال المستقبلى قام بإنشاء شركة متخصصة باسم «إكس إيه آى» مؤكدا أنه يستطيع من خلال مهاراتها كتابة رواية «البؤساء» لفيكتور هوجو بمعالجة أخرى، وأنه سيطلق فى القريب العاجل «روبوت المحادثة» باسم «جروك 3» الذى وصفه بأنه نموذج الذكاء الاصطناعى الأكثر ذكاء على وجه الأرض حتى يراه مرعبا إلى حد كبير، وحول دخوله فى هذا المجال أنه كان من أجل تخوفه بشأن تناقص السكان المتسرع بينما يرتفع ذكاء الكمبيوتر بشكل صاروخى، ويعتقد أنه فى مرحلة ما ستتضاءل القوة العقلية البيولوجية أمام القوة العقلية الرقمية التى يمثلها الذكاء الاصطناعى، والحل الوحيد هو إنجاب المزيد من الأطفال، ومحاربة تناقص عدد السكان والدعاوى لتنظيم الأسرة، والمضي قُدمًا فى دعم اكتشافات القضاء على الأمراض الخطيرة والمزمنة والتوزيع العادل للأمصال المؤثرة ضد الأوبئة.
وليس كل ما ينبغى شراؤه ماسك فى متناول يده رغم سطوة ملياراته، فعندما قامت مجلة فوربس الأمريكية بتقدير قيمة نادى ليفربول الإنجليزى بما يعادل 5.3 مليار دولار، وهو الموقع الرابع في قائمة أعلى أندية كرة القدم فى العالم من حيث القيمة السوقية، وتعود ملكيته الحالية لمجموعة «فينواى» الرياضية الأمريكية العملاقة «إف إس جى» أعلن ماسك فى يوليو الماضى عن رغبته فى امتلاكه، وقال والده «إيرول ماسك» إن أسرته مرتبطة بمدينة ليفربول بالذات لأن جدته قد ولدت بها، إلى جانب أن الكثير من أفراد الأسرة مازالوا يقيمون فيها، وأن فريق البيتلز الإنجليزى قد تربى بين شباب الأسرة، لكن كل هذه الحيثيات لم تنجح لعقد الصفقة بل قالت «فينواى»: «ليفربول ليس للبيع ونحن لم ولن نقبل أى عرض للشراء»، هذا عن النادى، أما شراء ماسك لمنصة «تويتر» التي حول اسمها إلى X مقابل 44 مليار دولار فقد ظل طويلا مترددا أثناء مداولات الصفقة، لكنه بعدما استولى عليها قام مع مساعديه بتمشيط جميع الاتصالات الداخلية للموظفين إلى جانب ما قاموا بنشره على وسائل التواصل الاجتماعى بحثا عن علامات عدم الولاء لطرد أى من قام بتعليق ساخر حول المالك الجديد.
وتواجه الجمعية الملكية العلمية البريطانية الآن ضغوطا متزايدة بشأن عضوية ماسك الرئيس التنفيذى لشركة «تسلا» و«سبيس إكس» بعدما وقع أكثر من 2000 عالم بما فى ذلك شخصيات بارزة فى المجتمع العلمى على رسالة مفتوحة تعبِّر عن قلقهم إزاء بعض مواقف ماسك العامة فى مسائل متعددة وتبنيه أفكارا مثيرة للجدل، وتعد الجمعية أقدم أكاديمية علمية وطنية فى العالم تأسست فى عام 1660 لتضم العديد من الأسماء البارزة على مدى قرون مثل إسحاق نيوتن وألبرت أينشتاين وستيفن هوكينج، ويعد انتخاب الفرد عضوا فى الجمعية شرفا مرموقا يمنح للأشخاص الذين قدموا إسهامات مهمة فى تقدم العلوم والتكنولوجيا، وقد انتخب ماسك فى عام 2018 عضوا بسبب انجازاته التكنولوجية لاسيما فى مجالات استكشاف الفضاء والمركبات الكهربائية. أما عملية شرائه لمعبد «كيرتلاند» الذى تم بناؤه عام 1836 فى مدينة أوهايو بمليار دولار فقد تمت بسلاسة بالغة ليسيطر ماسك على مركز المدينة وأهم آثارها وهى التى تقع فى مقاطعة «لايك» ويقدر سكانها بـ6٫866 نسمة ومساحتها 43 كيلومترا، وبذلك تم وضع يده على تاريخ «المورمون»... وحول تاريخ الحضارات أحد أهم دراسات ماسك فقد جاء تعبيره: «إن الحضارة المصرية نار نار نار»، وأبدى إعجابه بالذات بمعبد دندرة ــ الواقع فى الجانب الغربى من محافظة قنا ــ لما رآه من خلال الكتب والفيديوهات على ما يحتويه من رموز ومعجزات ورؤى مستقبلية ومناظر سماوية والتى تعد أكبر المراصد الفلكية التاريخية التى تكتشف كروية الأرض وتعاقب الفصول الأربعة، وتبدى ذلك فى سقف الأبراج السماوية «زودياك» الذى قامت الحملة الفرنسية بنشره وتهريبه إلى اللوفر فى فرنسا ووضع نسخة مقلدة بدلا منه عام 1801، ويظهر ماسك فى أحد الفيديوهات يقلد رسم المصباح الكهربائى التاريخى الموجود على جدران دندرة معبد الإلهة حتحور ربة الجمال والموسيقى الذى استمر بناؤه على مدى 200 عام ويضم بعضا من آثار خوفو، وولادة حورس، وكيلوباتره وابنها قيصرون يتعبدان، حيث امتدت بنايات المعبد للفترة البطلمية تؤرخها رسومات الجدران الملونة الخالدة وكأنها رسمت بالأمس.. هنا ولابد وأن يكون إيلون ماسك أحد المدعوين الرئيسيين فى افتتاح المتحف المصرى الكبير فى يوليو القادم لمشاهدة آثار أرض الحضارات النارية على الطبيعة، وليصحبه الأثرى العالمى الدكتور زاهى حواس فى رحلة لها وقعها الخاص على عاشق دندرة ــ مع الوضع فى الاعتبار عدم فتح أى سكة لماسك للحديث عن الروتين والموظفين الحكوميين أو جلب سيرة أبلة صفية مديرة شئون العاملين فى الدور الثالث من قريب أو بعيد لكونها عاشقة الروتين المخضرمة فى إيقاف المراكب السايرة ــ وذلك بعدما أوكل إليه دونالد ترامب وزارة الكفاءة الحكومية ليوضح بأن الأنظمة الحكومية بشكل عام تعتمد على تقنيات قديمة لا تتواصل مع بعضها البعض، مما يؤدى إلى هدر كبير فى الموارد والوقت، مستشهدا بحالة إدارة التقاعد الفيدرالية، حيث يتم التعامل مع طلبات التقاعد يدويا وتخزينها فى قبو تحت الأرض ــ نحن نخزن الملفات الهامة فى رفوف مفتوحة لجميع فصول السنة وفى الشرفات أو فى البادرونات لجميع الأنواع القارضة والناسجة بشبكات العنكبة ــ مشيرا إلى أن التلخيص والرقمنة سيقللان النفقات ويحسنان الأداء الحكومى، مما سيؤدى إلى إدارة أكثر كفاءة وأقل تعقيدا، وأكد ماسك أن التوسع المستمر فى القوانين واللوائح التنظيمية ــ التى نعشقها فى مصر بوجه خاص وعام ــ يؤدى إلى تراكم القيود حتى يصبح كل شىء غير قانونى، وهنا شدد على ضرورة حذف وكالات حكومية بأكملها بدلا من تقليصها جزئيا بقوله: «إذا تركت جزءا من الوكالة فإنها ستعود للنمو مثل الأعشاب الضارة، وبالتالى يجب اقتلاعها من جذورها.
وأبدًا لم تكن العلاقة بين ماسك وترامب على وفاق فى الماضى فقد وصفه ماسك يوما بأنه مسخ صنعته الولايات المتحدة، وقام باتهامه بالعيش فى فقاعة معلومات مضللة، وفى الفترة الرئاسية الأولى لترامب صرح ماسك: «ترامب ليس الرجل المناسب للرئاسة»، بل لقد وصفه بـ«بطل العالم فى الهراء» و«لست من معجبى ترامب لأنه شخص مثير للاضرابات»، وكان ماسك قد تبرع فى عام 2015 بـ50000 دولار للمساعدة فى تمويل حملة هيلارى كلينتون للرئاسة وفى يونيه 2016 أعلن عن معارضته لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ قائلا فى تغريدته: «تغير المناخ أمر حقيقى لا يغفل».... ويأتى يناير 2020 ليُشيد ترامب بإنجازات ماسك وذكائه وصناعته للسيارة الكهربائية والصواريخ الجيدة قائلا: «إنه أحد عباقرتنا العظماء الشبيه بتوماس أديسون» ويقوم بمساندته لفتح مصانع شركة «تسلا» رغم انتشار جائحة كورونا..... وفجأة يتبادلان الهجوم من بعد أحداث الكابيتول، ويكذب أحدهما الآخر ــ ليقول ترامب على منصة التواصل التى قام بتأسيسها باسم truth social: «عندما جاء ماسك يطلب منى المساعدة فى مشاريعه المدعومة العديدة، سواء كانت سيارة كهربائية لا تقود لفترة كافية، أو سيارات بدون سائق تتحطم، أو صواريخ بلا هدف لأى مكان، فإنه بدون مساعدتى سوف تكون عديمة القيمة، ولقد أخبرنى بأنه من كبار المعجبين بترامب، وبأنه جمهورى، وكان بإمكانى وقتها أن أقول له: اركع وتوسل، وكان ليفعل ذلك».. لكنه.. ترامب.. عاد وهلل لصفقة ماسك مع تويتر قائلا: «أنا سعيد للغاية لأن تويتر الآن فى أيدى عاقلة، ولن تدار بعد الآن من جانب المجانين اليساريين المتطرفين المهووسين الذين يكرهون بلدنا حقا»، وقام وقتها ماسك بلقاء له مع بايدن ليخرج منه (غير متأثر) ليقول: «كان مملا للغاية مثل تلك الدمى التى تسحب منها الخيط فتنطق العبارات الغبية نفسها مرارا وتكرارا» ولأن ماسك أيد معارضي بايدن من الجمهوريين الذين زعموا خضوعهم للرقابة من جانب شركات التكنولوجيا الكبرى ومن بعدها قام بالتعامل مع الصين حول السيارة تسلا، وكان هناك اعتمادا لتمويل من الشرق الأوسط فى صفقة تويتر، لذلك كله أقر بايدن: «إن تصرفات ماسك قد أصبحت تستحق النظر، وهناك الكثير من الطرق لمواجهة مثل هذا المسلك»، واتسعت الجفوة ليسعى بايدن لتحويل ماسك من رجل أعمال ناجح إلى أداة تهديد حقيقية للأمن الأمريكى، وبالتالى كان ترامب هو المنفذ والمنقذ الوحيد لماسك فى حملته الرئاسية لينفق فيها أكثر من 290 مليون دولار، وبالفعل اعترف ترامب بدوره الفعال فى خطاب النصر.. ويتحول ماسك من رجل ثرى وعملاق تكنولوجيا إلى عضو بارز فى الحكومة ورجل سياسة له قوة فعالة يتم دعمها بقوة من الرئيس الأمريكى الذى منحه الصلاحيات الكبرى من خلال وزارة الكفاءة الحكومية التى أوكله مهامها، وأمر له بالاطلاع على الملفات السرية.... وتشتعل جميع الدوائر المضادة لظهور ماسك المؤثر فى الصورة، فتضعه مجلة «تايم» الأمريكية بهدف مغرض، وهو يجلس خلف مكتب الرئيس في البيت الأبيض، ويتحداه نواب عامون فى 14 ولاية للوصول إلى بيانات حكومية حساسة معتبرين ذلك ممارسة سلطة غير مقيدة، وحول اسم وزارة الكفاءة الحكومية تتضمن الاعتراضات عليها بأن الرئيس لا يمكنه تشكيل وزارة جديدة، فالوزارات الدائمة لا يمكن إنشاؤها إلا من قبل الكونجرس وبأغلبية الثلثين... ويعلق ترامب لمحطة «فوكس نيوز» على الهجمة الدائرة: «لقد اتصل بى إيلون ماسك ليقول لى لابد وأنك تعلم أنهم يحاولون التفريق فيما بيننا، فأجبته أنه هذا بالتأكيد.. إنهم سيئون للغاية لأنهم لو كانوا جيدين لما صرت رئيسا أبدًا»، لكن ولابد وأن تكون الحملة المضادة قد أوغرت الصدر وتركت تأثيرا لدى البيت الأبيض، فقد أفادت وثيقة قضائية صدرت أخيرا عنه بأن ماسك ليس موظفا رسميا فى إدارة الكفاءة الحكومية وأنه لا يملك سلطة رسمية تخوله اتخاذ قرارات حكومية وبحسب الوثيقة التى قدمها «جوشوا فيشر» مدير المكتب الإدارى فى البيت الأبيض أن وضع ماسك فى البيت الأبيض كموظف حكومى خاص غير دائم، ويعمل كمستشار رفيع المستوى للرئيس على غرار المستشارين الآخرين، وهو لا يملك سلطة رسمية فعلية لاتخاذ أى قرارات حكومية بنفسه، وإنما فقط أن يقدم المشورة للرئيس ليبلغ بعدها بما يراه الرئيس»... وتتعاظم التهم تجاه ماسك أولها بالجنون، وبأنه إنسان آلى وليس بشريا، ودليلهم عبر لقطات ملاحقته فى كل مكان، وآخرها هزات رأسه وعنقه ونظراته غير المستقرة فى حفل التنصيب، وما أبداه تعبيرا عن سعادته بفوز ترامب من حركة شبيهة بالسلام النازى، والمتابع لمسيرته لا يعير اهتماما لمثل تلك التراهات وإنما لكونه مصابا بمتلازمة اسبرجر «طيف التوحد» التى أطلق عليها «متلازمة المشاهير» ومن أبرزهم حاليا النجم «أنتونى هوبكنز» ولاعب الكرة الأرجنتينى «ليونيل ميسى وشاكيرا» وفى التاريخ «ألبرت أينشتاين» والرسام الهولندى «فان جوخ» وأصحابها يمتلكون عقلية فذة تتجاوز الطبيعة بكثير، وتشمل سرعة العمليات الحسابية أو رسم الخرائط أو تفكيك وإعادة تشغيل الأجهزة المعقدة أو قدرات فنية أو موسيقية نادرة، وكان «إيلون ماسك» قد اعترف بأنه مصاب بتلك المتلازمة فى مايو 2024 خلال برنامج «ليلة السبت» على شاشة التليفزيون ومن قبلها اعترف بها لكاتب قصة حياته «والتر إيزاكسون» الذى لازمه كظله لمدة عامين والتحدث إليه فيهما يوميا، وكان «ماسك» خلال ذلك يسمح له بحضور الاجتماعات غير آبه بسريتها، كما دعاه للمناسبات العائلية مقدرا موهبته فى كتابة السير الذاتية، فقد قام إيزاكسون ــ الذى سبق له شغل منصب المدير التنفيذى فى الـCIA وجريدة التايم ــ أن كتب السير الذاتية لبنجامين فرانكلين وألبرت اينشتاين وليوناردو دافنشى وستيف جوبز مؤسس شركة آبل، وخرج كتاب إيزاكسون عن إيلون ماسك فى 688 صفحة بعنوان «عبقرى وادى السيليكون» جاء فيه بوجه عام الإجابة عن أسئلة كبيرة مثل: هل يجب أن تكون نصف مجنون لتكون مبتكرا أو عبقريا؟ وكيف يمكنك منع عقل لامع من الخروج عن السيطرة؟ وحول تقلبات ماسك يقول الكاتب إنها تعود بشكل أساسى إلى آلام طفولته إذ نشأ وسط العنف فى جنوب إفريقيا، وكانت علاقته بوالده صعبة مما جعله يشعر وكأنه غريب لتطارده بشكل دائم الحاجة إلى إثبات نفسه، وحول السؤال فيما يدفع ماسك الآن للتحدث عن حياته وهو لم يزل فى خمسينياته وبصحة جيدة، وليس مثل جوبز الذي تحدث لمرضه بالسرطان واهتمامه بالإرث الذي سيتركه، ليجيب إيزاكسون بأن رغبة ماسك أتت لأنه يُحب التاريخ، ولديه شعور طاغ بالنرجسية ليفكر فى نفسه كشخصية تاريخية مؤثرة، وحول علاقته بوالده «ايرول» فيصفه ماسك بأنه شخص استغلالى عاطفيا وجسديا، وقد أمضى سنوات طويلة بدون لقائه حتى وافق على رؤيته عام 2016 وحول هذا اللقاء قال أحد الأصدقاء للكاتب: «كانت تلك المرة الوحيدة التى رأيت فيها يدى إيلون ترتجفان»، وتضم الصفحات الكثير عن مشروعاته ونفسيته وأفكاره وعلاقته الإنسانية والأسرية المتشابكة وأحلامه التى استطاع تحقيق بعضها، بينما البعض الآخر لم يزل قيد التنفيذ وعلى رأسها إسقاط قنابل نووية على كوكب المريخ لجعله صالحا لعيش الآدميين.
وكنا فى زمن الطفولة نظن أن طعام الملك من الذهب، ومن بعدها صدقنا أن وجبته الرئيسة من لحم الطواويس ومقبلاته من الكافيار الأبيض وقلوب العصافير، وأنهم يقدمون له كل صباح خلاصة خروف كامل فى فنجان، وظل هذا الهاجس يداعب ذكريات المخيلة لأتساءل الآن عما يأكله ماسك الملياردير المبدع المخترع المتوهج المتألق المتحرك معتدل القوام خاصة وأن والدته «ماى ماسك» التى رشحت يوما ملكة جمال افريقيا بالمقاييس المثالية وتكتب الآن مؤلفاتها كخبيرة تغذية، فوجدته قد توقف عن تناول علب الكوكا الدايت لمدة شهر وكان يتجرع منها يوميا ما يقرب الثمانية، لكنه بعد مدة التوقف أصبحت ستة فقط، مع قوله بأنه عندما حُرم من متعته لم يلمس تقدما فى صحته، وظل خلال سنوات شبابه الأولى ودراسته الجامعية لا يتناول سوى وجبات الهوت دوج التى لا تكلفه سوى دولار واحد يوميا، وظل ميله للسكريات لا يفارقه للآن ليقطع الوقت فى قزقزة رقائق الشيكولاتة والكرواسون المحشو، مع قطعة من الدونالد المسكر كل صباح ليعقب قائلا: «ولا أزال على قيد الحياة».
ولأنه صاحب الشخصية التى لا تهمد ولا تستريح وكل يوم فى حال، بأبعاده المتآلفة والمتعارضة وزواياه القائمة والحادة وخطوطه المستقيمة والملتوية وسنواته الكبيسة والبسيطة يمثل فيضا لا ينضب ومادة ثرية نادرة لكتابة الدراما الواقعية على أرض الخيال، وبالفعل ألهمت شخصيته المنتجين فى هوليوود لكتابة سلسلة أفلام «الرجل الحديدى» للمنتج والممثل روبرت داونى.. لكن هناك أحداث وحكايات تزدحم بها المسيرة المتفردة منها حكاية جده المغامر عاشق الطيران الذى مات فى حادث طائرة وكان طوله 190 سم ليورثه إيلون فى الطول والمغامرة... ومنها معاناته من القهر ثلاثا: عنف الأب وتعرضه للتنمر فى طفولته بالمدرسة، وابنه «مات» المتحول للفتاة «فيفيان» فى سن الثامنة عشرة لتهاجمه وتتهمه بالكذب والنفاق «أكرهك وأكره كل ما تمثله» ويعتبرها فى حُكم الموتى... ورحلته إلى روسيا لشراء فوارغ الصواريخ يعود منها مخذولا مدحورا ليفكر فى صنع الصواريخ من صفائح تنكات الألبان، وتمضى مراحل الصاروخ «فالكون 9» على مدى 7 سنوات تذهب هدرا لأن حارس المكان ترك باب حجرة الصاروخ ليلة إطلاقه مفتوحا فأفسد المطر الأجهزة، وتتصاعد صواريخ ماسك للسماء ليغدو أول بنى آدم يطلق صاروخا فى الفضاء وبداخله عربة تسلا حمراء لتظل تدور إلى ما لا نهاية، وبالأمس القريب يُطلق مشروعه للاستثمار فى الفضاء ليعود للمبيت فى كشك صديق للبيئة «كرافان» يفرد ويطبق تبعا للحاجة بمبلغ عشرة آلاف دولار متاح للجميع فى الريف والمدينة وعلى سطح المريخ، وفي عام 2002 ينفق 100 مليون لإنشاء شركة Space x لتكلل جهوده بصنع مركبة الفضاء «دراجون» ثم سلسلة فالكون المميزة، ويضج الفضاء بصواريخه لتنتقد المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل فى مذكراتها من أن 60% من الأقمار الفضائية أصبحت ملكا لإيلون ماسك مما يثير قلق الدول الأوروبية!.... ودراما واقعية بطلها ماسك صاحب الشركة الملياردير الشهير الخطير الذى يسهر مع موظفيه بكافة مستوياتهم يلعبون الأتارى فى صخب ويتطاولون على بعضهم البعض بالسباب والسخرية ومد الأيدى ــ صان فاصو ــ وفى الصباح يعود الوضع المنضبط كما كان، والصواميل المفكوكة ترجع مكانها, وترمى الإبرة تسمع صوتها, والمخطئ يتم فصله على الفور بدون نقاش أو وساطة ليخرج وسط خلية العمل الشغال حاملا صندوق أدواته المكتبية وشجيرته الخضراء وصورة حبيبته أو زوجته ليغادر الشركة إلى المجهول، مثلما غادرتها الموظفة «ماري» التى عملت إلى جانبه مساعدة نشطة كالروبوت لمدة 12 عاما كانت فيها مع بداية الإنشاء تنام على الأرض وذات صباح نكد وقعت مارى سهوا فى خطأ أو قد تلمسه لها، فلم يغفر.. تُفصل مارى.. تُسرح مارى.. تحزن مارى.. تنتحر مارى.. وانتحرت مارى.. الرجل الحديدى قلبه ميت!!